د. رانيا القرعاوي
في كل عام، في السادس عشر من يوليو، يمثل يوم العلاقات العامة العالمي للمتخصصين والعاملين في الحقل الإعلامي فرصة للتفكير في التطورات التي طرأت على هذا المجال، خاصة مع ظهور الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي.
في ظل التحولات الرقمية المتسارعة،
لم تعد العلاقات العامة تُقاس بعدد البيانات الصحفية أو مرات الظهور الإعلامي، بل بجودة العلاقة التي تبنيها المؤسسة مع جمهورها.
ويطرح النموذج الحديث للعلاقات العامة، القائم على بناء العلاقات، فهمًا أعمق لوظيفة الاتصال، حيث تُصبح الشفافية، والثقة، والاحترام المتبادل، والالتزام طويل الأمد، هي مؤشرات النجاح الحقيقي، هذا التحول الاستراتيجي يعيد موقع العلاقات العامة كوظيفة قيادية لا تنفيذية، تسهم في صناعة القرار وتشكيل الثقافة المؤسسية، وليس مجرد أداة لتلميع الصورة.
يُقدّر حجم السوق العالمي للعلاقات العامة بحوالي 88 مليار دولار في عام 2023، ويتوقع أن يصل إلى 129 مليار دولار بحلول عام 2026م. وقد تتسبب إخفاقات العلاقات العامة في تكلفة باهظة للشركات، كما حدث مع «فيسبوك»، حين أدت فضيحة «كامبريدج أناليتيكا» إلى تغريم مارك زوكربيرغ مبلغًا قدره 725 مليون دولار. وهذا الرقم لا يشمل حتى التكاليف المرتبطة بإعادة تسمية الشركة إلى «ميتا»، في محاولة للهروب من وصمة السمعة التي ظلت تلاحق «فيسبوك» بلا توقف.
ما زلنا في العالم العربي نعتبر العلاقات العامة من الإدارات التنفيذية، والتي يقتصر دورها على تنفيذ رغبات القيادات العليا. فهي تطبق المثل الشعبي «مع الخيل يا شقرا»، إذ نجدها لا تساهم في وضع الرؤى أو الخطط الاستراتيجية المستقبلية، بل تكتفي بالاستجابة للطلبات التي تصلها.
وعلى الرغم من أن الدراسات أكدت أن الشركات التي تُكَوّن فريق علاقات عامة يرتبط مباشرة بالإدارة العليا أو مجلس الإدارة تُظهر نسبة نمو أكبر بمقدار مرتين مقارنة بمن جعلوها ضمن التسويق فقط، إلا أن كثيرًا من المؤسسات ما زالت تدرج إدارة العلاقات العامة ضمن الإدارات المساندة، مما يؤدي إلى ضعف فعالية الرسائل والمبادرات. إن نجاح العلاقات العامة لا يتحقق حين تُؤمر فتُنفذ، بل حين تُشارك وتقود تطوير الرؤى والاستراتيجيات.
فهذه الوظيفة، بطبيعتها، هي واجهة المؤسسة، وهي من سيكون لها القرار الأعلى ما إذا كانت المنظمة ستتوهّج أو تنطفئ، أو ستكون مجرد شبح لا يراه أحد.
في اليوم العالمي للعلاقات العامة، لنتجاوز عبارات التهنئة ونعيد النظر في مكانة هذا المجال؟
وهل نراه أداة تنفيذ أم شريك قيادة؟ ففي عالم يتغير بسرعة، لم تعد العلاقات العامة تكتفي بتجميل الصورة، بل أصبحت من ترسم ملامحها، والمؤسسة التي لا تدرك ذلك، ستجد نفسها بلا أذن تسمع بها، أو بوصلة تهتدي بها.