د.عبدالله بن موسى الطاير
في صباح صيفي، وحالة من السلام تطفئ الغيوم بها عين الشمس الحمئة، دلفت إلى المكتبة، ليصادفني كتاب بعنوان «الحرب النووية: سيناريو»، لمؤلفته آني جاكوبسن. عكّر الكتاب جمال الصباح، وأحال سلامه إلى وجل وهو يصف بالتفاصيل جحيم يوم القيامة النووي. مجرد أن تستعرض أسماء المسؤولين الذين قابلهم المؤلف تشعر بقشعريرة من عنوان الكتاب الذي ينطق بحقائق وعلى لسان شهود.
ومع أنه يدفع بسيناريو افتراضي لحرب نووية قادمة فإن إمكانية حدوثها قائمة استنادًا إلى تلك المقابلات التي أجراها مع خبراء عسكريين ومدنيين، ووثائق مرفوع عنها السرية، وبروتوكولات نووية أمريكية رسمية.
حالة السلم الذاتي تحولت إلى رعب، خاصة وأن تناول الكتاب صادف الضربة الإسرائيلية للعاصمة السورية دمشق، وتذكرت مقولات قادة أمريكيين عن حرب نهاية العالم التي ستكون في الشرق الأوسط، كان مصادفة لا تبعث على الطمأنينة، خاصة وأن الكتاب ذاته لم ينس التذكير بالمعتقدات الدينية في سياق عرضه الخطط العسكرية الأكثر دماراً في العالم فقد استدعت المؤلفة المعركة النهائية الفاصلة بين الخير والشر «هرمجدون» في مقدمة كتابها.
ليست حرب 12 يوماً، وإنما 72 دقيقة تبدأ بهجوم مباغت تشنه كوريا الشمالية بصاروخ باليستي عابر للقارات بقوة ميغا طن يستهدف البنتاغون في واشنطن، يتبعه صاروخ باليستي آخر يضرب محطة الطاقة النووية في كاليفورنيا. إزاء ذلك تطلق أمريكا ردا انتقاميا يحمله 82 رأسًا نوويًا موجهة إلى كوريا الشمالية، إلا أن عبورها الأجواء الروسية تفسره الأخيرة اعتداء عليها فتطلق ألف رأس نووي على الأراضي الأمريكية والأوروبية، وهنا تندلع الحرب النووية العالمية الشاملة.
لم يكن هذا فيلما لتوم كروز من إبداع هوليود، وإنما هكذا تستعد أمريكا، وهكذا تخطط، وما ذكر أعلاه هو ما يخص كوريا الشمالية، وبالتأكيد فإن هناك خططا لمواجهة هجوم مماثل من الصين أو روسيا. ما يثير الاهتمام أن المؤلفة لا تكتب من فراغ، بل تربط هذا السيناريو بالخطة النووية التشغيلية المتكاملة (SIOP-62) التي وضعت في الستينيات لهجوم أمريكي استباقي يقتل نحو 600 مليون شخص من عدد سكان العالم عام 1960م.
يصف الكتاب بوضوح العواقب الكارثية للحرب النووية، مستندًا إلى بيانات واقعية وآراء خبراء، مما يجعل الدمار فوريًا وطويل الأمد؛ قنبلة بقوة ميغا طن واحدة تسقط على البنتاغون ستقتل حوالي مليون شخص خلال الدقيقتين الأوليين، مما يدمر واشنطن العاصمة بشكل كامل، أما الرد الروسي فيدمر مدنًا ومراكز عسكرية في أمريكا وأوروبا، وينهي مئات الملايين من البشر خلال ساعات، وتصبح مدن كبرى مثل نيويورك ولوس أنجلوس ولندن أثرا بعد عين.
أما سلاح بيونغ يانغ الكهرومغناطيسي فيعطل الاتصالات والنقل والخدمات الأساسية الأمريكية ويحدث فوضى عارمة. نتيجة لذلك سيخيم على الكرة الأرضية شتاء نووي، ناتج عن دخان الحرائق الذي يحجب أشعة الشمس، وبالتالي حدوث صقيع عالمي يقتل نحو 5 مليارات شخص خلال أشهر بسبب الجوع، والأمراض، وانهيار المجتمع. والخلاصة أن الحضارة، التي بُنيت على مدى آلاف السنين، ستتحول إلى ركام في 72 دقيقة، تاركة كوكبًا بالكاد يصلح للعيش.
لطالما بالغ السياسيون والعسكريون الأمريكيون في التهديدات النووية المفترضة لتبرير امتلاك اليد العليا في القوة، والجاهزية لشن الهجوم النووي الاستباقي، وما خطة SIOP-62 لعام 1960م، سوى شاهد موثوق ألهم المؤلفة تصوير الدمار الذي ستحدثه الحرب الكبرى.
يقدم الكتاب سردية مخيفة للحرب النووية المحتملة، ويبرز هشاشة الردع، وعدم كفاية الدفاعات الأمريكية، والإمكانية الكارثية لسوء التواصل بين القيادات الأمريكية، مما يجعله تحذيرًا قويًا بدلا من أن يحث القوة العظمى على نهج السياسة لنزع فتيل التهديد النووي المتبادل، فإنه يحرض العسكر وشركات التصنيع الحربي على الاستعداد واستثمار تريليونات الدولارات في التأهب للضربة الاستباقية الأولى.
هذا الكتاب وغيره من المنشورات تدلل على أن المجتمع الأمريكي بعمومه لا يزال مرتهنا لأدبيات فترة الحرب الباردة، تصاعد وتيرة التخويف، وحكم المجتمع بها تزال تمثل حجر الأساس في السياسة الأمريكية بدءاً بتهويل خطر الاتحاد السوفيتي، وانتهاء بالترويع الحالي من خطر المهاجرين والمنافسين الاقتصاديين، وحتى من المخترعات والاكتشافات العلمية المتعلقة بصحة الإنسان. ويبدو أنه يتعذر حكم أمريكا بدون إحاطة شعبها بسياج من الخوف يبقى الجميع تحت السيطرة.