كوثر الأربش
في زحام السوق العالمية، تبحث العلامات التجارية عما يُشبهها ويُشبه جمهورها.
وحين تتحدث العلامة بلهجة من تخاطبهم، لا تكون مجرد حملة تسويقية؛ بل تُصبح علاقة.
توطين اللهجة المحلية في الإعلانات لم يعد مجرّد أسلوب بلاغي، بل قرار استراتيجي، يربط المنتج بالوجدان.
- اللهجة.. نبض الناس
اللغة الرسمية قد تُقنع، لكنها نادرًا ما تُلامس. أما اللهجة فهي نبض، نَفَس مشترك، ذاكرة سمعية مخزّنة في الطفولة، في المقهى، في سوق الجمعة. إعلان يقول «منتجنا يوفّر لك الراحة»، يختلف تمامًا عن «يريّحك من التعب».. الجملة الثانية تلمسك، لأنها «منك»، لأنها تشبه أمّك وهي تواسيك، وجدّك وهو ينصحك.
- الإعلان المحلّي: من الغربة إلى القرابة
حين تُستخدم اللهجة المحلية، لا يعود الإعلان ضيفًا غريبًا على شاشة الجوال أو التلفزيون، بل يصبح «واحدا من العيال». الإعلانات السعودية، على سبيل المثال، حين تبنّت لهجة نجد أو الحجاز أو الجنوب، كسرت الحاجز بين المُعلن والمتلقّي. صار الإعلان «يمون»، وصارت المشاركة فيه عفويّة.
تخيّل إعلانًا يقول:
«الحين.. صرنا أقرب لك من أول».
بدلًا من:
«نحن الآن أقرب إليك».
الأول فيه عطر شارع، والثاني فيه طابع بريد رسمي.
- اللهجة كأداة لتعزيز الهوية
توطين الإعلان باللهجة ليس فقط لأجل «الضحك أو الطرافة»، بل لزرع الهوية ضمن المنتج. كثير من العلامات صارت تُنتج محتواها الإعلاني بعد دراسة اجتماعية للهجة: ما الكلمات اللي تُطمئن؟ وش الكلمات اللي تُضحك؟ أي لهجة تربطها الناس بالثقة؟ أي لهجة تُشعِرهم بالجدية؟
بل وصل الأمر أحيانًا إلى تفصيل الحملات بلهجات مختلفة لمناطق متعددة داخل نفس البلد، في إشارة إلى أن «كل منطقة مهمّة، وكل صوت مسموع».
هل هناك مخاطرة؟ نعم.. لكنها محسوبة..
البعض قد يرى أن اللهجة قد تُفقد الإعلان رسميته أو تقلّل من هيبته، خصوصًا إذا كانت العلامة تستهدف فئة محافظة أو تقليدية. لكن الحقيقة أن السوق الحديث صار يبحث عن «الصدق»، واللهجة هي أقرب طريق له.
والحذر ما يكون في استخدام اللهجة نفسها، بل في التوازن: كيف تُظهر الطرافة بدون تفاهة؟ كيف تقترب دون أن تُفرّط في الاحترام؟
في الختام: الإعلان لا يُصنع بالكلمات فقط… بل باللهجة التي تشبه القلب.. توطين اللهجة المحلية ليس مجرد موضة تسويقية، بل عودة إلى الجذور، إلى العلاقة الحقيقية بين المرسِل والمتلقّي. كل لهجة فيها موسيقى، وكل موسيقى لها جمهور. من أراد أن يُسمَع، فليُحسن اختيار لغته.. أو لهجته..