عايض بن خالد المطيري
وسط الصحارى المترامية، والجبال الشاهقة، والأودية المتعرجة، وعبر مدن وقرى شاسعة في المملكة العربية السعودية، تتسابق فرق الإنقاذ التطوعية مع الزمن كلما نادى منادٍ استغاثة، أو ضلّ طريقه مسافر.
هؤلاء الأبطال، الذين انطلقت مبادراتهم من رحم الجهود الفردية، لم ينتظروا خطاب تكليف أو قرار تعيين، بل تحركهم إنسانيتهم، وشغفهم، وقيم النخوة والرجولة الأصيلة المتجذرة في المجتمع السعودي. ومع مرور الوقت، توحدت جهودهم تحت مظلات شبه رسمية، وتحولت من مبادرات متناثرة إلى كيانات منظمة تحظى باعتراف الدولة والمجتمع، رغم استمرار اعتمادها الكبير على الموارد الذاتية وجهود الأفراد.
وما حققته هذه الفرق لا يُختزل في أرقام أو تقارير، بل في أرواح أُنقذت، ومفقودين عادوا إلى أهليهم، وقلوب خُفف عنها الوجع.
صور المتطوعين وهم يحملون أدوات بسيطة، ويغوصون في تضاريس قاسية، مستخدمين مركباتهم الخاصة ومعداتهم المتواضعة، تختصر مشهدًا عظيمًا من الإيثار والتفاني.
كم من حالة تم العثور عليها بعد أيام من البحث المضني، لولا الله ثم إصرار هؤلاء المتطوعين الذين لا توقفهم حرارة الصيف، ولا برودة الشتاء، ولا تحدّهم المسافات، ولا وعورة الطرق. بل تعدّت جهودهم إلى إنقاذ شاحنات ومعدات عالقة، بعضها مملوك لشركات كبرى ذات إمكانيات عالية.
ورغم هذه البطولات اليومية، تظل التحديات قائمة، وأبرزها نقص التجهيزات الحديثة، وغياب التدريب المتخصص، وافتقار العمل إلى خطة وطنية موحدة للتنسيق بين الفرق.
فرغم وجود مظلة رسمية مثل «المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي»، لا يزال الطابع الفردي يطغى على أساليب التخطيط والتنفيذ، مما قد يشكل عائقًا كبيرًا في الحالات الطارئة، خاصة في ظل اتساع السعودية وتنوع تضاريسها ومناخاتها. وعند مقارنة الجهود المحلية بالتجارب العالمية، نلاحظ أن استخدام الطائرات بدون طيار (الدرون)، وتقنيات المسح الحراري، وتفعيل غرف العمليات المشتركة، أصبحت من أساسيات النجاح. كذلك، فإن تدريب المتطوعين على أساليب البحث والإنقاذ في بيئات مختلفة (الجبال، الصحارى، المياه)، ورفع كفاءتهم النفسية والبدنية، يمثل ضرورة لا غنى عنها.
إن ما تحتاجه فرق الإنقاذ التطوعية في السعودية، بالإضافة إلى الدعم المادي، يشمل منظومة متكاملة من التدريب، والتقنية، والدعم المؤسسي، والتنسيق الوطني الذي يواكب حجم الاحتياج والطموح.
ومن أبرز الحلول التي يمكن أن تُحدث تحولًا نوعيًا في أداء هذه الفرق: دمج الجمعيات والمبادرات المتفرقة في كيان وطني موحد، يعمل تحت مظلة جمعية إنقاذ مركزية واحدة.
هذا الدمج لا يلغي هويات الفرق المحلية أو ينكر إنجازاتها، بل يوحد الجهود، ويعزز التكامل، ويمنع الازدواجية. ومن خلال منصة إلكترونية موحدة، يمكن توثيق المهام، وتلقي البلاغات، وتوزيع الموارد، وتنسيق العمليات لحظيًا. كما يمكن تعيين كوادر متخصصة لإدارة هذه العمليات باحتراف، مما يضفي على العمل التطوعي بُعدًا تنظيميًا عالي الكفاءة، ويحوّله من جهد فردي مشتت إلى منظومة وطنية تعمل بتناغم وذكاء، وتحقق أعلى درجات الجاهزية والاستجابة. إن اقتراح الحلول ليس نقدًا أو تقليلًا، بل إيمانٌ بقدسية الرسالة التي يحملها أولئك المتطوعون.
ومن الضروري إنشاء مركز وطني متخصص لتأهيل وتدريب فرق الإنقاذ، يتولى تطوير الكوادر، وتزويد الفرق بالمعدات المناسبة لكل بيئة.
كما أن ربط هذه الفرق بنظام إلكتروني موحد لتوثيق المهام وتقييم الأداء، سيشكل نقلة نوعية في عملها. ولا يقل أهمية عن ذلك تفريع هذه الفرق في كل محافظة ومدينة، ضمن نموذج إداري محترف.
لذا، تبقى الرسالة الأسمى لهذا المقال: دعوة صادقة لدعم هذه الفرق، لا بالتكريم والثناء فحسب، بل بتوفير كل ما يلزمها من أدوات النجاح.
فالذين يهبّون بكل شجاعة لإنقاذ الأرواح يستحقون أن نصون أرواحهم، ونحفظ جهودهم من الضياع.
المملكة العربية السعودية، بقيادة حكومتها الرشيدة، تحتضن أسمى قيم الإنسانية والتكافل، وهي قادرة على أن تكون نموذجًا عالميًا في دعم العمل التطوعي المنظّم، من أجل توحيد الرؤى وتضافر الجهود.
فسلامٌ على كل من ترك وصيته، وانطلق إلى المجهول ليُعيد غائبًا، أو يُنقذ حياة مفقود، أو يزرع الأمل في قلبٍ ينتظر غاليًا.