إيمان حمود الشمري
قضيت في الصين ما يقارب الأربعة أشهر، وعدت محملة بذكريات جديدة مذيلة بتوقيع عام 2025 ..
في كل مرة أزور هذا البلد أتعمق فيه وأتعلق به أكثر، في زيارتي الثالثة زالت الرهبة تماماً بيني وبين الشعب الصيني مع زوال الكمامات، لأرى ابتسامة الشعب الذي زرته في عز الوباء، وفاتني الكثير منه لأعوضه في عام 2025 .
لنكن منصفين، لا يوجد شعب مثالي ولا حتى نحن، ولكن يوجد صفات مشتركة بين أفراد الشعب تميزهم عن غيرهم، فهم يشبهوننا بإكرام الضيف واحترام الكبير وبر الوالدين، وملفتين بشكل غير عادي بالانضباط والإخلاص في إعطاء المعلومة، إذ لا يوجد اجتهادات شخصية بإعطاء المعلومات، فالشعب الصيني لا يخجل أن يقول لك ببساطة لا أعرف!! متميزين مثلما نحن أيضاً لنا ميزاتنا الخاصة، كسعوديين نشتهر بالكرم، والفزعة، والطيب، ونتميز بقدرتنا على مواكبة العصر وطي الماضي وإصرارنا على تغيير قدرنا بتكاتف وطموح يعانق عنان السماء، ذلك التحول الذي شهد به أغلب الصينيين الذين التقيتهم هناك، ممن زاروا السعودية من قبل وبعد، ويشيدون بالتغيير الكبير لدينا.
تجربتي هذه المرة مختلفة.. نعم مختلفة، كوني امرأة سعودية قادمة من بلد النمو والتطور المتسارع وجدت اهتماما وتركيزا بالغا من أغلب الصينيين الذين التقيتهم، كنت أمثل وطن ورؤية طموحة كصحفية تنقل الواقع، وتغيّر الصورة النمطية عن المرأة السعودية، لأكثر من مرة عندما كان يأتينا محاضر صيني، وهم في الغالب دبلوماسيون وسفراء سابقون، كانوا يسألون عني.. أين السعودية؟؟ كانوا يحرصون على التقاط الصور معي، كنت مصدر اهتمام الضيوف لأنني أمثل نقطة تحول بمفهوم دعم المرأة، هذا الاهتمام والفضول بالاقتراب والحديث معي لم يكن من الصينيين فقط وإنما أيضاً من الإعلاميين بمختلف الجنسيات، الذين كانوا يقتربون مني للحديث عن التطور الهائل بالسعودية والقائد الشاب الملهم محمد بن سلمان.
لا أنكر أنه أحيانا تصادفني أسئلة خبيثة من بعض الإعلاميين من دول مختلفة، مثل سؤال أحدهم لي هل تؤمنين بحرية الرأي؟، قلت: أؤمن بالنظام الذي يحدد حرية الرأي التي تحترم سيادة الدولة، هناك دول تدّعي الديمقراطية ولم نر منها إلا الخراب والدمار وتشريد مواطنيها بدول الغرب بحثاً عن لقمة العيش، كمواطن واع تستطيع أن تنتقد ولكن بتهذيب ودون أن ترفع صوتك على وسائل التواصل لتأجيج الفتنة، وإنما بمخاطبة الجهة المعنية، فدورك أن تدعم بلدك بتوجهه، وتكون خط الدفاع الأول لا الثغرة التي يدخل منها الأعداء.. إن كانت الحرية التي تعنيها هي الفوضى والتعدي والهمجية فنحن لا نريدها، ويروقنا ما يحدث مثلما يروق الشعب الصيني هذا الانضباط الذي يسود البلد، والذي حسّن وضع المواطنين ورفع جودة الحياة، وجعل الصين في مقدمة الدول اقتصادياً.
هناك أسئلة يعتقدون أنها بمثابة فخ، وأنا أجدها أسئلة حمقاء تعبّر عن فهم ضيق مغلوط عن مفهوم حرية الرأي، وتكشف حقد دفين يحاول فيه البعض التنفيس عن شعوره بالنقص والدونية والخروج من دائرة المنافسة، بالبحث عن ثغرة وهم من بلدان مليئة بالثغرات، لذا نحن نعيش في عمار وهم يعيشون في دمار!!
عندما تسافر وتبتعد تعلم كيف تلمع صورة بلدك في الخارج، وكم أنت مثير للاهتمام والفضول والإعجاب وعندما تعود برغم غيابك لعدة أشهر فقط، تعرف أنهم على حق، قد لا نشعر بالأشياء ونحن بالقرب منها بسبب اعتيادنا عليها، ولكن الابتعاد عن موقع الحدث يرينا الصورة بشكل أوضح، ففي كل مرة أغيب فيها عن الرياض أجدها قد اختلفت عني في غضون أشهر، مباني ترتفع، وشوارع تتغير، واستعدادات هائلة على قدم وساق لأحداث قادمة ستجعل من الرياض عاصمة الثقافة والإرث التاريخي وأرض الأحلام والوعود المحققة..
ما يحدث لدينا مدهش للغاية، ومستفز للذين ليس لهم غاية، أعترف أنني عدت بنشوى الشوق والفرح ، ممتلئة فخرًا وحماساً للقادم.