ناصر زيدان التميمي
في لحظةٍ من اللحظات، وقف النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- على أطراف مكة، يلتفت إليها بنظرة الوداع، وقد ضاقت عليه أرضها بما رحبت. كان الخارج من بلده مكرَهًا، لا راغبًا، وكان قلبه معلّقًا بها، بكل ما فيها من ذكريات، ومشاعر، وحنين.
ثم قال كلماته الخالدة: «والله إنكِ لخير أرض الله، وأحبُّ أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منكِ ما خرجت». بهذه العبارة العميقة، علّمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن حبّ الوطن ليس ضعفًا، ولا عاطفة عابرة، بل هو جزء من الإيمان، ومن الوفاء، ومن طبيعة الإنسان.
مكة كانت وطنه الأول، موطن الطفولة، وأرض الرسالة، ومع ذلك، حين هاجر إلى المدينة المنورة، لم يحمل في قلبه سوى المحبة. لم يكن غريبًا في طيبة الطيبة، بل دعا الله أن يحبّبها إليه، كما أحب مكة، بل وأكثر. قال -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم حبّب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد». وهكذا، نرى أن حب الوطن لا يعني التشبث بمكانٍ دون غيره، بل هو شعور نقي، يثمر خيرًا حيثما زرع، ويقود الإنسان للبناء والعطاء والوفاء. فالوطن ليس فقط ترابًا وأبنية، بل هو كرامة، وهوية، وأمان. ومن يحب وطنه بحق، يحرص على رفعته، ويخدمه بإخلاص، ويصونه من الفساد، ويحفظ خيره للأجيال من بعده.
وليس أجمل من أن يكون حبنا لوطننا امتدادًا لحب النبي -صلى الله عليه وسلم- لوطنه، حبًا صادقًا، لا يعلو فيه صوت إلا صوت الحق، ولا يتحرّك فيه القلب إلا بإرادة الخير، ولا تُرفع فيه راية إلا راية العدل والعمل.
فليكن حبّنا لوطننا على خُطى الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: حبًّا يزرع، لا يهدم، يبني، لا يفرّق، يعمل، لا يكتفي بالكلام.