د. فهد بن أحمد النغيمش
لا شك أن للسفر فوائد عدة وثماراً جمّة يصعب أن نلخصها أو نحصرها في هذا المقال، ولست هنا أناقش أهميته في حياة الشخص أو أني أعدد شيئاً من أشكاله وألوانه أو نتائجه على الصحة النفسية والبدنية، فيكفيه قول الشافعي:
تغرَّبْ عن الأوطان في طلب العلى
وسافرْ ففي الأسفار خمسُ فوائد
تَفَــرُّج هـمٍّ واكتساب مــعيشـة
وعلـم وآداب وصحبة ماجـد
ولذا كان الكثير من المسافرين قديماً لا يبحثون عن الوجهة كمطلب أساسي قبل أن تكون الصحبة هي الخيار الأول لأي رحلة، ولذا كان البعض يحزم (عزبته) ويركب سيارته ويتنقل داخل بلادنا سواء بحثاً عن الأجواء العليلة ونسمات الهواء البارد في المناطق الجنوبية أو بحثاً عن الشواطئ والبحار، سواء في المنطقة الشرقية أو الغربية أو أنه ييمم الوجهة لبيت الله المحرم أو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تلكم الأسفار تتم في جو من الأنس والراحة وقلة التكاليف المادية، حتى دخلت علينا موضة السفر الخارجي!
لست ضد فكرة السفر الخارجي بشتى صوره أو أشكاله ولا ظروفه أو أحواله، ولكن ما أعنيه هو أن السفر الخارجي أصبح اليوم موضة فقط للتصوير والاستعراض، وحتى يقال: سافرنا إلى البلاد الأوربية والمدن العالمية وتجولنا بالقرب من برج ايفل وشارع الشانزلزيه وجلسنا وسط حديقة هايد بارك وصورنا بالقرب من بحيرة زيلامسي والعديد والعديد من الأماكن التي أقصد أن الهدف من السفر إليها الاستعراض فقط!!
وسؤالي المتجدد، والذي قد يشعر به كل من شعر بهذه المشكلة: هل نحن نسافر للمتعة والاستجمام أم فقط للتفاخر والاستعراض؟ أعرف شخصاً مرتبه قليل جدا وعلاوة على ذلك نهشته الأقساط البنكية فهو يترنح بين الوفاء بمتطلبات بيته وأسرته وسيارته ويخبرني بأنه يأخذ كل سنة قرضاً بنكيا ليسافر بعائلته سنوياً خارج البلاد!! فقلت له ممازحا وفي نفس الوقت ناصحاً : وهل السفر أصبح سنة ثابتة في كل سنة؟ فأجابني بهذه اللفظة (بل هي الموضة يا دكتور)!! ثم أردف قائلاً: المجتمع من حولنا تربى على فكرة التقليد والمقارنة خاصة لدى العنصر النسائي: العائلة الفلانية ذهبت لسويسرا وأبناء عمنا ذهبوا لإيطاليا وجيراننا سافروا لباريس وقس على ذلك.. جملة من المقارنات التي أفرزتها المحاكاة غير العادلة دون نظر للتكلفة ولا للظروف ولا للنتائج، وفي المقابل أعرف أناسا أنعم الله عليهم بالمال ولم يتخذوا السفر كل عام سنّة ثابتة بل البعض لا يحبذ السفر الخارجي ليس بخلاً ولا خوفاً من زيادة الإنفاق، بل هي قناعات وتأنّي وروية في قراراته!
ما عنيته في حديثي أن السفر متعة واستجمام وترويح وعبادة إذا كانت نيتك دعوة أو طلباً للتّقوي على الطاعة والعبادة، و بحسب المستطاع والمقدرة المادية، وإذا كان الحج الذي يعد ركنا من أركان الإسلام قد أسقطه الله عن العاجز، سواء ماديا أو بدنيا فكيف في المباحات التي يكون السفر فيه ليس بواجب ولا مسنون {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}، وأضف على ذلك تلكم الأسطوانة التي يتناقلها بعض من سافر خارجياً في كل مجلس وفي كل منتدى والتي تمتد أشهراً وأياماً يرافقها نظرة دونية لكل من لم يسافر خارجياً وكأنه شخص كلاسيكي قديم لم يواكب الموضة ولا يعرف التمدن ولا المدنيةـ بل سمعت مرة متنمراً في احدى المجالس يتندر على أحد الأشخاص حين أخبره بأنه سافر داخل البلاد!!.
نتفق جميعا أن الجميع له كامل الحرية في رأيه وفي رغباته، ولكن ليس له مطلق الحرية في توجيه الآخرين بأن يوافقوه رأيه أو يحذون حذوه فكل يملك قناعة تخصه دون غيره! فيأيها المسافرون سافروا وانبسطوا ولكن دون تباهي ولا استعراض ولا إنقاص من الآخرين.