د. إبراهيم بن جلال فضلون
تُعدّ الجهود الجارية نحو التنويع الاقتصادي في منطقة الخليج أكثر أهمية من أي وقت مضى، فعلى الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي لا تزال مرتبطة بأسواق الطاقة العالمية، فإن التنويع الاقتصادي الجاري سيُحسّن من مرونتها الاقتصادية في مواجهة حالة عدم اليقين الإقليمية والعالمية. الذي رأيناه في ديناميكيات الإنتاج الأخيرة لدول المجلس، والذي تقوده السعودية لاستقرار المنطقة والخليج معاً، بعد الحرب الأمريكية الإيرانية الأخيرة وردود أفعالها على المنطقة والعالم ككل، وبداية توتر بين ترمب وبوتين من جهة وبين الأول والصين من جهة أخرى، حيثُ دأبت دول مجلس التعاون الخليجي على تعزيز أسس اقتصادها الكلي، وهو شرط أساسي للنمو المستدام، وعلى الرغم من استمرار حالة عدم اليقين بشأن عائدات النفط، فقد تجنبت دول الخليج العجز غير المستدام من خلال توسيع قاعدة دخلها والحفاظ على احتواء نفقاتها المالية على نطاق واسع، بل وزادت المملكة من صادراتها النفطية للأسواق الآسيوية وأوروبا رغم تخفيض إنتاجها، وكذلك الولايات المتحدة في ظل رئاسة دونالد ترمب، وبرنامجه لزيادة الإنتاج الأمريكي من النفط، ومطالبته المملكة و»أوبك» بخفض الأسعار الذي كان مرده توجه استراتيجي للسعودية نحو أسواق متنوعة بآسيا حيث يوجد الطلب بشكل أكبر على النفط، حيث الصين تُعتبر أكبر مستهلك في العالم وتُعد مشترياتها مؤشراً على الطلب على النفط على المستوى العالمي.. الذي تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ينمو الاستهلاك العالمي من النفط بمقدار 700 ألف برميل يومياً في 2025، وهو أبطأ معدل نمو منذ 16 عاماً، باستثناء التراجع المسجّل خلال جائحة 2020.
لقد كان للمملكة دور فاعل في استقرار إمدادات النفط إلى الأسواق العالمية منذ بدأت التصدير عام 1939، بفضل امتلاكها احتياطيا يُقدّر بأكثر من 264 مليار برميل، ولكونها أكبر مصدّر للخام عالمياً، حيث وفرت الوقود اللازم لتطور الصناعات في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، وظلت لعقود المصدر الرئيسي للأسواق الأمريكية، لكن بدء الولايات المتحدة بإنتاج النفط الصخري تسبب في تراجع الواردات بوتيرة متسارعة.
وفي 2012 صدّرت السعودية حوالي 1.4 مليون برميل يومياً أي 490 مليون برميل إلى الولايات المتحدة، منخفضة في 2023 إلى 127.3 مليون برميل، بمتوسط 353 ألف برميل يومياً، وصلت العام الماضي حسب بيانات إدارة معلومات الطاقة إلى 273 ألف برميل يومياً، وفق نشرة «ميس»، وهو ما كان له أثر في نمو الإنتاج المحلي في الولايات المتحدة وانخفاض صادرات النفط السعودي، وهو ما جعل التغير وراءه أربعة عوامل رئيسية، أولها زيادة الإنتاج المحلي في أمريكا من 10 ملايين برميل يومياً إلى 13.5 مليون برميل، ثُم ارتفاع صادرات كندا النفطية من 3 ملايين برميل يومياً عام 2017 إلى 4 ملايين برميل، وثالثاً توجه المملكة إلى آسيا واعتبارها السوق الرئيسية، وأخيراً نمو طاقة التكرير السعودية إلى 3.3 مليون برميل يومياً، مقابل 2.8 مليون برميل قبل ثماني سنوات.
ووسط ارتفاع أسعار النفط مع ترقب لبيان ترمب حول روسيا، ظهرت مشاريع عقوبات تدعو لفرض رسوم بنسبة 500 % على الصين والهند في حال شرائهما أي شحنات من الطاقة الروسية، وبالتالي كان من الطبيعي لدولة كالسعودية ومكانتها الاقتصادية وريادتها في قيادة العالم في أحلك أعوام كورونا برئاستها مجموعة العشرين أن تتخذ خطواتها الريادية بالتوجه منذ بداية الألفية نحو أسواق الشرق نحو آسيا حيث ينمو الطلب بشكل أكبر على النفط، وبالفعل تمكنت السعودية من الاستحواذ على حصة كبيرة في سوق آسيا وقامت باستثمارات وشراكات في مجال إنشاء المصافي في آسيا فارتفعت صادرات المملكة إلى الصين من 1.13 مليون برميل يومياً في 2018 إلى 1.58 مليون برميل يومياً بنهاية 2024.
ومن اللافت أن شحنات المملكة إلى الصين مرشحة للارتفاع في أغسطس القادم، وزادت صادرات السعودية إلى الهند من 788 ألف برميل يومياً إلى 815 ألف برميل يومياً خلال نفس الفترة. وإلى السوق الأوروبية قفزة بنسبة 47 % منذ يوليو 2023 حتى الآن، على الرغم من هجمات الحوثيين على السفن في خليج عدن وجنوب البحر الأحمر وما سبب تغييرات في مسارات شحن النفط السعودي، حيث يتم الآن تصدير جميع الشحنات إلى الأسواق الغربية إما عبر الخليج العربي مروراً برأس الرجاء الصالح، أو عبر البحر الأحمر عن طريق قناة السويس.
لقد عملت المملكة على إعادة هيكلة «أوابك» التي تضم السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين والجزائر والعراق وسوريا وليبيا ومصر وتونس.. واقتراح تغيير اسمها إلى «المنظمة العربية للطاقة» بناءً على مقترح وزير الطاقة السعودي؛ لتعزيز التعاون والتكامل العربي في الطاقة والاقتصاد وتوثيق السياسات المشتركة، والتي تأسست عام 1968 لفصل مناقشات السياسات البترولية عن السجالات السياسية داخل جامعة الدول العربية آنذاك. وقادت التحالف بعد اجتماع لوزراء النفط في «أوبك+» ديسمبر الماضي، متفقين على تمديد أهداف الإنتاج الحالية حتى نهاية عام 2026، مع زيادة طفيفة تُنفّذ تدريجياً بدءاً من أبريل لدولة الإمارات، ومن المُرجح أن يدرس التحالف تعليق خطط زيادة الإنتاج اعتباراً من أكتوبر، وهو موعد يُفترض أن تكتمل فيه خطة إعادة 2.2 مليون برميل يومياً من النفط الذي تم خفضه طوعاً ثلاث مرات حتى الآن، بينما تم تمديد الجولة الأولى من التخفيضات الطوعية الإضافية حتى نهاية 2026.. علماً بأن التدفقات التصديرية وإنتاج النفط الخام لا يرتبطان بشكل كامل...