العقيد م. محمد بن فراج الشهري
لم يعد للولايات المتحدة الأمريكية مصداقية بخصوص الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، وما يجري في (غزّة) وعود مملّة وطرق ملتوية، وتصريحات للرئيس ترامب لا يعرف لها قرار ما يقرره في الصباح يتغير في المساء، وإسرائيل شوّهت سمعة الولايات المتحدة الأمريكية، وألبستها ملابس السخرية في كثير من المواقف، وأصبحت إسرائيل تتصرف وكأنها في البيت الأبيض وليس في تل أبيب، والانحياز الأمريكي لإسرائيل وما تقوم به ليس بمستغرب، لكن المستغرب هو الانفلات الإسرائيلي على كل القوانين الدولية بموافقة ورعاية أمريكية لا حدود لها..
والأفظع من هذا كله ما تقوم به إسرائيل حالياً من هجوم متكرر على سوريا وهي دولة ذات سيادة وعضو في مجلس الأمن وهو عدوان سافر وغاشم، وخارج عن القوانين الدولية، كل ذلك تحت أنظار وموافقة الأم الكبرى أمريكا.. ثم يتبجح الأمريكان بأنهم حريصون على استقلال وأمن سوريا، وهو كلام للاستهلاك الإعلامي لا أقل ولا أكثر.. إن ما تقوم به إسرائيل ضد سوريا ما هو إلا عدوان سافر بغطاء أمريكي وسكوت دولي، وكما نعلم أن مجلس الأمن أصبح لا يهش ولا ينش، وأصبحت إسرائيل تعبث بالأمن والسلم العالميين على كيفها وحسب ما تراه وتريده دون رادع.
وأما مسألة الدروز (والسويداء) فهي ابتكار خبيث من دويلة خبيثة تقوم بزرع الفتنة الطائفية بمساعدة الخونة الذين ليس لهم علاقة بسوريا ولا بمواطنيها ومشكلة السويداء هي مشكلة مفتعلة تماماً، ومخطط لها بعناية منذ زمن وليست وليدة اليوم.. إسرائيل تحاول التموضع داخل الحدود السورية، وإنشاء مناطق عازلة لحسابها وجر البلد إلى التقسيم ومن ثم الهيمنة والسويداء هي بداية الانطلاقة والسؤال: لماذا السويداء، وما هي أهمية السويداء لتكون الانطلاقة منها؟ فنقول وحسب ما ورد في كثير من المصادر أن السويداء ليست مجرد مدينة سورية، بل نقطة ارتكاز في مشروع جغرافي - سياسي أكبر بكثير مشروع يُعرف باسم «ممر داوود» وهو ممر استراتيجي تسعى «إسرائيل» لتكوينه، يبدأ من الجولان السوري المحتل، مروراً بدرعا، والسويداء، وصولاً إلى منطقة (التنف) حيث القاعدة الأمريكية ثم يمتد شرقاً إلى المناطق الكردية حليفة لواشنطن، ثم يعبر إلى أربيل في العراق ويلامس الحدود التركية.
ممر بطول مئات الكيلومترات يربط إسرائيل بالخليج وآسيا الوسطى، ويفتح لها بوابة جديدة نحو أوروبا، أما لماذا هو مهم فالآن هذا الممر -ببساطة- قد يُغني إسرائيل عن قناة السويس ويهدد خط الحرير الصيني ، ويحوّل إسرائيل إلى حلقة مركزية في سلاسل نقل البضائع بين الخليج وأوروبا، والمشروع جزء من ترتيبات ما بعد التطبيع، حيث تمر البضائع من الخليج إلى الموانئ الإسرائيلية، ثم تشحن إلى أوروبا براً وبحراً، أما لماذا السويداء بالذات ؟ فلأنها تقع مباشرة في قلب هذا الممر، ولأنها آخر عقدة ديموغرافية، وجغرافية قبل الوصول إلى التنف.. ولأنها تشكل حزاماً فاصلاً بين الجنوب السوري، والمناطق الشرقية، حيث الوجود الأمريكي، والكردي، وما يجري في السويداء الآن هو جزء جو سياسي ضخم، يراد له أن يُعيد رسم خرائط التجارة والطاقة، والنفوذ في المنطقة، ومن لا يرى الصورة كاملة سيبقى يظن أن السويداء أزمة داخلية، بينما الحقيقة أنها عقدة في خريطة داوود، وأن الأمر فيه ما فيه، وأن إسرائيل تخطط وأمريكا تنفذ والعكس صحيح، حيث أصبحت إسرائيل تتلاعب بكل شيء حتى بالسياسة الأمريكية التي افتقدت مصداقيتها في كثير من الأمور وأصبحت تصريحات ترامب عبئا على أمريكا وبوابة لإسرائيل للعبث في مستقبل السلم العالمي وطحن كل قرارات مجلس الأمن والاستهتار بها في ظل الخنوع الأمريكي لما تريده إسرائيل والقوة الخفية اليهودية داخل أمريكا وخارجها.
خلاصة القول أن ما يجري في السويداء هو ضرب للوحدة السورية، واعتداء متكرر على سيادتها وشبّ نار الفتنة بين أبناء الشعب السوري وعلى أبناء سوريا الأحرار أن ينتبهوا لهذه الفتنة ويجعلوا همهم الأسمى محاربة الخونة، والوقوف ضد كل ما يهدد وحدة سوريا وأمنها وحدودها، وشعبها، وأن لا يتاح لإسرائيل أي عذر لاختراق صف الوحدة السورية، ومحاربة هذه الفتنة الطائفية لعن الله من أيقظها، ثم أن على العالم العربي أن يقوم بواجبه لنجدة سوريا وعدم إعطاء أي فرصة للكيان الإسرائيلي للتموضع داخل سوريا بأي شكل من الأشكال، وإلا فلن تعيش سوريا موحدة وستكون الهدف التالي لإسرائيل ومن يدور في فلكها.
ونسأل المولى أن يحمي سوريا وشعبها الشقيق من كل الفتن، وأن يرد كيد الأعداء في نحورهم، وأن لا يحقق لهم أي تقدم أو نجاح في غزو الأمة العربية وإفساد مجتمعاتها.