د. ناهد باشطح
فاصلة:
«المرأة ليست جسداً يُغازل بل عقل يُحترم»
- د. نوال السعداوي-
*********
في أغسطس العام الماضي نشرت جريدة الوطن تقريراً عن نساء يشتكين من انزعاجهن من عبارات مثل «جميلة، قمر» والتي يعتبرها البعض غزل بينما تزعج النساء اللواتي يحترمن ذواتهن، ويمكن أن يعاقب عليها نظام مكافحة جريمة التحرش وفق المادة السادسة التي تتضمن» المعاقبة بالسجن مدة لا تزيد على سنتين، وبغرامة مالية لا تزيد على 100 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل من ارتكب جريمة تحرش، وبمدة لا تزيد على 5 سنوات، وبغرامة مالية لا تزيد على 300 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، في حالة اقتران الجريمة بحالات محددة في النظام».
الألفاظ الغزلية السابقة تندرج تحت طائلة التحرش اللفظي، وهو ما تتعرض له النساء غالبا في بيئة العمل أو في الأماكن العامة.
والسؤال ما الذي يدفع بعض الرجال إلى إزعاج النساء بالغزل؟
على سبيل المثال إذا طلبت المرأة من زميلها بوضوح التوقف عن جمل غزلية تزعجها فإن استمراره في التغزل بها هو سلوك يكشف عن الخلل النفسي والبرمجة المجتمعية وغياب التربية العاطفية.
أما الخلل النفسي فيتضح في شخصية رجل تخبره المرأة أن سلوكه مزعج فيستمر لعجزه عن ضبط النفس ومراعاة مشاعر الآخرين.
وتساعده البرمجة المجتمعية التي تشجعه على التغزل بالمرأة فهناك شعراء عرب اشتهروا بشعر الغزل وكرسوا مفهوم أن الغزل هو شجاعة وأن المرأة تحب المطاردة، ورفضها ما هو إلا لعبة أنثوية ولذلك انتشرت مقولة غير معروف قائلها «يتمنّعن وهن راغبات».
وغالبا هذا النوع من الرجال لم يحظ بتربية عاطفية تجعله قادرا على التحكم في انفعالاته بدلا من تفريغها في الآخرين، هذه القدرة تبني الاحترام المتبادل في العلاقات خاصة بين الجنسين.
وبالرغم من أن معظم دول العالم تسن القانون لصيانة خصوصية الفرد وكرامته وحريته الشخصية، وهناك حملات نسوية تدافع عن حق المرأة في رفض أي سلوك يقلقها أو يشعرها بالمهانة، إلا أن الغزل أو التحرش اللفظي مستمر، وذلك لأسباب عدة تتعلق بالرجل المختل نفسياً والمرأة التي لا تستطيع الشكوى لخوفها من الفضيحة؛ لأن المجتمعات العربية ما زالت توصم المرأة بالخطأ وتُخفي التحرش خلف «المداعبة» أو «الغزل»، وتلوم الضحية بدلًا من المعتدي.
لا يزال بعض الرجال في العالم العربي ينظر إلى الغزل، خاصة في الأماكن العامة، على أنه سلوك «رجولي أو عادي» أو «رد فعل طبيعي على جمال المرأة».
لكن الحقيقة أن الغزل يصبح تعديًا على حرية المرأة الجسدية والنفسية عندما يُفرض عليها، خاصة في الفضاء العام أو الإلكتروني بسب ظهورها أو طبيعة عملها مما يعرضها للقلق والمعاناة، ففي دراسة إيرانية لاستطلاع تأثير الغزل على عاملات في متاجر التجزئة.
كشفت الدراسة أن الموظفات اللواتي تعرضن لغزل متكرر من العملاء لديهن توتر نفسي وشعور بالإهانة.
في الدول الغربية، الأمر مختلف حيث أصبح المعيار القانوني والأخلاقي هو: هل هذا السلوك مرحّب به من قبل المرأة؟
لا تكفي نية الرجل الحسنة، ولا حتى جمال كلماته لتبرير ألفاظ الغزل المهم هو شعور المرأة تجاه ما قيل أو فُعل، فإذا شعرت بعدم الارتياح أو التهديد، يُعد السلوك تحرشًا لفظيا قد يتحول إلى تحرش جنسي حسب نوعية الألفاظ.
أما في مجتمعاتنا فيتطلب الأمر وعيًا قانونيًا وثقافيًا، لحماية النساء من التنميط والإهانة والاعتراف بحريتهن واحترام خصوصيتهن.
الغزل الذي يزعج المرأة هو تحرش، سواء قيل بلغة الشعر أو العامية، هذه الحقيقة التي يجب أن نعترف بها في مجتمعاتنا، إن أردنا لها أن تكون أكثر إنسانية وأمانًا وعدلًا.
المصادر
- نجاة الحربي، الوطن. (2024, يوليو 9). تحرش لفظي وغياب عقوبات.. تجارب نساء في بيئات التسوق. صحيفة الوطن السعودية. https://www.alwatan.com.sa/article/1152332
- Chan, Z. C. Y., Wong, K. C. Y., الجزيرة Wong, W. L. C. (2024). Women»s experiences of sexual harassment in the retail clothing industry: A grounded theory study. Frontiers in Psychology, 15, Article 1374188. https://doi.org/10.3389/fpsyg.2024.1374188