د. بدر بن محمد الشومر
تشير التقديرات إلى أن حجم سوق الأجهزة الطبية في المملكة سيبلغ نحو 6 مليارات دولار بحلول 2025م، ومن المتوقع أن ينمو ليصل إلى أكثر من 8 مليارات دولار بحلول 2030م، مع ارتفاع الإنفاق السنوي إلى 3 مليارات دولار بحلول 2028م مدفوعًا بتوسّع التأمين الصحي والتحولات الهيكلية في القطاع.
يعرف الجهاز الطبي بأنه أي أداة أو آلة أو جهاز أو مادة تستخدم لتشخيص الأمراض والوقاية منها ومراقبتها وعلاجها أو التخفيف من أعراضها، من خلال تقنيات ميكانيكية وإلكترونية وفيزيائية.
ومع التحول الرقمي المتسارع في القطاع الصحي، لم يعد الجهاز الطبي يقتصر على أداء وظيفته التقليدية، بل تحول إلى عقل رقمي متكامل يجمع البيانات الطبية بكفاءة، ويشخص الحالة بدقة، ويدعم القرار الطبي، ويقدم العلاج بأعلى درجات الأمان والدقة. ولم يتوقف دوره عند هذا الحد، بل أصبح قادراً على إجراء العمليات الجراحية المعقدة بتقنيات الروبوت الجراحي.
كما زودت الأجهزة الطبية الحديثة ببرمجيات متطورة وأجهزة استشعار دقيقة وخوارزميات متقدمة، تمكنها من مراقبة العلامات الحيوية وتتبع النشاط البدني والتنبؤ بالتغيرات الصحية والانتكاسات، ما يجعلها جزءاً من بيئة صحية رقمية مترابطة. وتتصل هذه الأجهزة غالبًا بالملف الطبي الإلكتروني، مما يسمح بتدفق البيانات بشكل لحظي وتحقيق رعاية صحية استباقية وشخصية.
أدى التحول الكبير في مفهوم الجهاز الطبي إلى ضرورة إشراك تخصصات جديدة ضمن الفريق الهندسي الطبي بشكل أساسي، يتصدرهم متخصصو نظم المعلومات الصحية والمعلوماتية الطبية بوصفهم حلقة الوصل بين البيانات السريرية والأنظمة الرقمية، كما يأتي دور مهم لمتخصصي إنترنت الأشياء الطبية وتجربة المستخدم في تصميم الحلول الصحية المترابطة وسهلة الاستخدام. كما يبرز دور مهم لمتخصصي المعلوماتية الحيوية وتحليل البيانات الطبية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي الإكلينيكي في تصميم خوارزميات طبية متقدمة تستكشف الأمراض من البيانات الضخمة المنتجة من الجهاز الطبي وتسمح بالتدخل الآلي عند الحاجة. كذلك تظهر الحاجة لمتخصصي الأمن السيبراني والامتثال التنظيمي التقني لضمان حماية خصوصية بيانات المريض والتقيد بالمعايير الوطنية والدولية في تصميم الحلول الرقمية مثل لوائح هيئة الغذاء والدواء، وهيئة البيانات والذكاء الاصطناعي في المملكة.
وتدعم هذه الأدوار التخصصية مجموعة من التخصصات الرئيسية تحت مظلة تقنية المعلومات، مثل: الحوسبة، البرمجيات، الشبكات والاتصالات، تحليل البيانات، وأمن المعلومات، والذين يعملون بشكل تكاملي مع الفريق الهندسي الطبي لضمان مواءمة الحلول الرقمية مع السياق الإكلينيكي، ولا سيما في ظل وجود أقسام مستقلة لتقنية المعلومات في المستشفيات تتولى إدارة البنية التحتية الرقمية والتشغيل التقني.
ولم يعد دور تخصصات الهندسة الطبية مقتصراً على الدعم التقني أو الصيانة التقليدية، بل أصبحوا مع غيرهم من متخصصي المعلوماتية الطبية والتقنية الحيوية وتقنية المعلومات يشكلون فريقاً هندسياً أو تقنياً طبياً متكاملاً يقوم بدور محوري في إدارة عمليات التشغيل الصحي الذكي والمستشفيات الذكية الذي يمثل مستقبل الرعاية الصحية. فهذا الفريق أصبح مسؤولاً عن تحسين كفاءة تشغيل الأجهزة من خلال مراقبة الأداء اللحظي، والتحليل التنبؤي لأعطال الأجهزة، وتفعيل برامج الصيانة الوقائية والطارئة بشكل دقيق، وجزءاً من فريق الأبحاث التطبيقية والابتكار في الرعاية الصحية، حيث يتركز دورهم في جمع وتنقيب وتحليل البيانات الضخمة الناتجة عن الأجهزة الطبية لتحسين النتائج السريرية للمرضى وتعجيل خروج المريض من المستشفى وتعزيز السلامة السريرية. أيضاً يساهم الفريق بقيادة فرق الابتكار داخل المستشفى لتطوير حلول رقمية متصلة تستخدم الأجهزة النقالة الذكية وأنظمة التطبيب عن بُعد وأجهزة التتبع لتحسين جودة الرعاية الصحية ومراقبة المريض داخل وخارج المستشفيات.
ختاماً، ولبناء وتمكين هذا الفريق الهندسي الطبي يقع على عاتق القيادات في المستشفيات مسؤولية تبني هذا التحول من خلال تحديث الهيكل التنظيمي للهندسة الطبية والخدمات المساندة له في المستشفى، ودعم التوظيف متعدد التخصصات، وتهيئة البيئة اللازمة لدمج الكفاءات التقنية والصحية ضمن مسارات التشغيل والصيانة والابتكار في رحلة التحول الرقمي.
كما يبرز دور جوهري لأقسام الموارد البشرية في المستشفيات التخصصية والثانوية بإعادة صياغة الأوصاف والمسارات الوظيفية ولا سيما في مجالات الهندسة الطبية والمعلوماتية الطبية، بما يتيح دمج المتخصصين هذه المجالات ضمن فريق الهندسي الطبي. كما تبرز أهمية تطوير برامج أكاديمية بينية مخصصة لدرجة الماجستير أو الدبلوم العالي أو الزمالة، تجمع بين تخصصات الهندسة والحوسبة والعلوم الطبية لتأهيل كفاءات وطنية قادرة على الجمع بين التقنية والرعاية السريرية بما يدعم استدامة التحول الرقمي ويعزز من جودة الرعاية الصحية وسلامة المرضى ويحسن كفاءة الإنفاق واستغلال الموارد.