نجلاء العتيبي
مع إشراقِ شمس الصيف، وامتداد ساعات النهار، يتبدَّل فينا شيءٌ لا يُرى.
تتسلَّل رغبة خفية في اقتناء ما يُوحي بالتجديد، وكأننا نُعيد ترتيب الأشياء من حولنا؛ لتنسجم مع ما نشعُرُ به في موسم القيظ.
نُقبِل على الشراء بكامل وعينا، لا دائمًا بدافع الحاجة، ولكن أحيانًا لأن بعض الأشياء تُوهمنا بالتجدُّد، ولو في التفاصيل الصغيرة.
الأسواق مزدحمة
الإعلانات تلمعُ
والعروض تتحدَّث بلُغةِ الاستعجال: «الآن أو تفوتُكُ الفرصة!»
وسط هذا المشهد المليء بالحركة يتسلَّل إلى أذهاننا سؤالٌ بسيطٌ:
هل نشتري ما نحتاجه فعلًا؟ أم ننجذبُ لما نظن أنه يمنحنا شعورًا مؤقتًا بالاكتفاء؟
الاقتناء بحد ذاته ليس خطأ.
لكن ماذا يحدُثُ حين يتحوَّل الشراء من فعلٍ واعٍ إلى سلوكٍ تلقائيٍّ غير مدروس…
حين تمتلئ العربةُ دون حاجةٍ، ويصبح التملُّكُ وسيلةً لإرضاء شعور مبهم لا نُدركه تمامًا
ولا نُسمِّيه.
أعتقد أن الصيف ليس مُجرَّد فصل مناخي، بل هو حالة عجيبة!
يأتي ومعه رغبة في كسر الروتين، يتغيَّر نمطنا الشرائي؛ فنُقبل على الشراء بكل صنوفه
وفي زحمة المشتريات تغيب أحيانًا قيمةُ القِلَّةِ.
تلك القِلَّة التي تمنح الأشياء معناها، وتُعيد التركيز على جودة الاستمتاع.
ليس من الضروري أن نمتلك كلَّ جديد لنشعر بأننا نعيش اللحظة؛
فالحياة لا تُقاس بما نشتري، بل بما نحسُّ.
فهل ننتبه لما نشعر به حقًّا
أم أننا نُخدِّر حواسَّنا برنين الفواتير وصدى التخفيضات.
نظرة واحدة لمقتنياتنا قد تكشف الكثير عنا:
مَن نكون حين نختار، كيف نُعرِّف القيمة.
هل نشتري لحاجة حقيقية... أم ننساقُ خلف توقٍ داخليٍّ للامتلاء.
أحيانًا نُخطئ بين الرفاهية والفراغ.
بين المظهر الخارجي والشعور الداخلي.
المقال ليس انتقادًا لمتعة الشراء ولا رفضًا لفكرة الاستهلاك.
نعم... نحن نحب الجميل من الأشياء.
لكننا بحاجة أكبر إلى فهم دوافعنا
نحو ما يُشبعنا حقًّا لا ما يُبهرنا لحظيًّا.
التقليل ليس حرمانًا، كما أن الشراء ليس دائمًا خطأ.
الأمر كلُّهُ يدور حول الوعي: أن نكون حاضرين عند الاختيار.
أن نستهلك دون أن نُستهلَك.
سوف يرحل الصيف...
وتبقى الأشياء.
بعضها يُنسى في الزاوية.
وبعضها يرافقنا طويلًا لفائدته واستخدامه.
فلنحرصْ أن تكون اختياراتنا انعكاسًا لما نؤمن به، لا مجرد صدًى لما يُعرض علينا.
فالاقتناء ليس عيبًا؛ الحاجة مشروعة، والرغبة في التغيير طبيعية.
جوهر المسألة يكمن في التمييز بين:
الحاجة والتقليد.
التكديس والمعنى.
الفرح الحقيقي والتعلُّق المؤقت.
ما يُضيف لحياتنا وما يُثقِلها.
ضوء
«ثمَّة أشياء صغيرة للغاية بوُسعها أن تزرع حقول الفرح في صدرك».
- عبدالله المغلوث