د. رانيا القرعاوي
هناك مقولة شهيرة في الإعلام لمارشال ماكلوهان: «الإعلام لا يعكس الواقع، بل يُنشئه»، فوسائل الإعلام لا تقتصر على نقل ما يحدث في العالم، بل تساهم في تشكيل وتكوين فهمنا للواقع.
وحين يصبح الإعلام أداةً لإعادة سرد البيانات الرسمية فقط، دون تحليل ما تعنيه للناس، فهو لا ينشئ وعيًا، بل يغيب عنه «السنع» الذي يُفترض أن يضبط البوصلة المهنية.
قبل أيام، وقّعت الشركة السعودية لشراء الطاقة اتفاقيات تاريخية لإنتاج 15 ألف ميجاواط من الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، باستثمارات تبلغ 31 مليار ريال، أي ما يعادل 8.3 مليار دولار. وتتضمن هذه الاتفاقيات سبعة مشاريع جديدة موزعة من بيشة إلى المدينة، ومن عفيف إلى شقراء، ضمن تحالفات تقودها «أكوا باور»، وبمشاركة من «بديل» و»أرامكو للطاقة».
وإذا كان الخبر بحد ذاته يُعد خطوة استراتيجية لتحقيق طموحات المملكة في الطاقة المتجددة، فإن التغطية الإعلامية له، للأسف، ظلت في حدود «ماذا حدث؟» دون أن تجيب عن «ماذا يعني؟».
فالمشاريع المُعلنة لا تمثل مجرد استثمار ضخم، بل تشكل جزءًا محوريًا من رؤية السعودية 2030 ومبادرة السعودية الخضراء، الهادفة إلى توليد 50 % من الكهرباء من مصادر متجددة، وتقليل الانبعاثات وتعزيز الاستدامة. ومع ذلك، لم تُجب التغطية الإعلامية عن الأسئلة الجوهرية التي تمس حياة الناس مباشرة. لم نرَ محاولة إعلامية جادة لشرح كيف ستنعكس هذه الاتفاقيات على المستهلك المحلي، أو ما إذا كانت ستؤدي إلى خفض ملموس في فاتورة الكهرباء، أو متى سيبدأ المواطن برؤية الأثر الفعلي على الأرض. كما لم تُطرح تساؤلات حول المحتوى المحلي أو فرص العمل المستدامة في المناطق المستهدفة.
إن اقتصار التغطية على الأرقام والتصريحات الرسمية دون تحليل الأثر الاقتصادي والاجتماعي يُفقد الإعلام دوره التفسيري.
فبحسب تقرير الأخبار الرقمي الصادر عن رويترز لعام 2023، فإن الجمهور يمنح ثقته للوسائل التي تشرح له «لماذا هذا الخبر مهم؟»، لا لتلك التي تكرر لغة البيانات الصحفية، وذلك بناءً على مسح شمل أكثر من 93 ألف مستهلك أخبار رقمي في 46 سوقًا حول العالم.
فالمواطن لا يعنيه أن مشروعًا ضخمًا وُقّع، بل يحتاج أن يفهم كيف سيمسه هذا المشروع ومتى سيلحظ التأثير. فهنا تظهر قيمة الخبر، ويزداد معدل تذكره.
المسؤولية لا تقع على الصحفي وحده، بل على المؤسسة الإعلامية التي يُفترض أن تحلل الخبر، لا أن تكتفي بنقله.
فإذا أردنا أن يتبنى المستهلك قضايا الطاقة ويجعلها من أولوياته، فعلينا أن نربط الأخبار والتقارير بحياته اليومية... وإلا أصبح الإعلام بلا «سنع».