أوس أبو عطا
تلج حرب الإبادة الكاملة والشاملة التي تشنّها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة الكسير الأسير أخطر وآخر فصولها الدامية.
ومنذ 2 مارس/آذار 2025، تغلق إسرائيل جميع المعابر مع القطاع وتمنع دخول المساعدات الغذائية والطبية، ما تسبب في تفشي المجاعة داخل القطاع.
من المفارقة اليوم أنّ الموقف العام للمجتمع الدولي الذي أدان الهولوكست اليهودي على يد النازية وسنّ قوانين تجرّم إنكارها، يكاد ينشطر على نفسه، فضحايا الأمس أضحوا مجرمين اليوم، هذا الموقف الصلب الذي حاكم قادة النازية ممن بطشوا باليهود، يكاد يفقد توازنه لأن الكثير من المقررين الأمميين يتهمون قادة اليهودية الصهيونية بالتهمة نفسها من جرائم الحرب والتجويع وإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني. استناداً لما ورد في اتفاقية جنيف الرابعة في العام 1949 والتي ألزمت طرفي النزاع بحماية المدنيين العزل، وعليهِ قامت المنظمات الإنسانية ذات العلاقة، باتهام كل من بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه المقال يوآف غالانت بأنهما يمنعان دخول المواد الغذائية والإنسانية اللازمة لحياة الفلسطينيين المدنيين، ولذلك قبل ما يقارب عام ونصف من اليوم صدرت مذكرتي اعتقال بحقهما بتاريخ 21 نوفمبر، 2024. من قبل المحكمة الجنائية الدولية في العاصمة الهولندية لاهاي.
غني عن البيان أن المجاعة الحاضرة، هي الحصاد المرّ غير الإنساني وغير الأخلاقي لسياسة التجويع التي يمارسها الاحتلال في غزة، وهي تُنهك وتفتك بالأطفال والنساء والعجائز والشيوخ والرجال والمرضى ولا تبقي ولا تذر.
هذا السغب المُتعب دفع الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني بكافة الأعمار للمخاطرة بحيواتهم للحصول على كيس طحين بات ثمنه 1500 دولار بعدما كان 30 دولار قبل الهولوكست في قطاع غزّة.
يوزّع الاحتلال الرصاص القاتل مع المساعدات الإنسانية والإغاثية، ويستشهد بشكل يومي ما يقارب 100 فلسطيني وهم يزحفون على بطونهم الخاوية للظفر بلقمة ملطخة بالدم.
لا خيار أمام الفلسطيني المقهور والجائع، إمّا الموت جوعاً وعطشاً أو الموت برصاص وقذائف الآلة العسكرية الإسرائيلية المجرمة. فمن لم يمت بالنار مات سغباً وفاقة.
والغريب في الأمر، أنّ كل هذه الفظائع لم تغير قيد أنملة في تفكير حركة حماس وقيادتها المنفصلة عن الواقع، بل هي تشعر بأن ذلك يحقق لها أهدافها بزيادة التعاطف مع القضية الفلسطينية، هذا التعاطف «غير المُجدي» كونه لم يسكت مدفعاً ولم يوقف طائرة ولم يدخل كأس ماء إلى قطاع غزّة.
وفي المقابل تضغط إسرائيل بسلاح التجويع ضد حماس لتجبرها على تقديم المزيد من التنازلات فوق طاولة المفاوضات، ولتحريك الشارع الغزّي ضدها وخروج مظاهرات تطالب بتنحيها عن المشهد العسكري والسياسي.
وبين سيف القصف والتجويع الإسرائيلي المسلّط على الرقاب الفلسطينية ونطع التعنت الحمساوي يذهب الفلسطيني ضحية حسابات سياسية خاسرة.
لا مبرر قانوني تقدمه إسرائيل لما ترتكبه من مجازر، الأمر الذي دفع المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن فلسطين فرانشيسكا ألبانيز، لتشبيه تعّمد إسرائيل تجويع مليوني إنسان وقتل الأطفال بقطاع غزة بالجرائم النازية.
من الواضح أن رصيد التعاطف العالمي مع إسرائيل إزاء ما حدث في السابع من أكتوبر قارب على النفاد، سابقاً استغلت إسرائيل الهولوكوست لاحتلال فلسطين، واليوم هي تستغل ما حدث في طوفان الأقصى لتُعمِل ذبحاً وقتلاً وتشريداً بالشعب الفلسطيني البريء، وهي تضع نصب عينيها شعارها الأوّل «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض».