د.شريف بن محمد الأتربي
في غمار التحديات الحياتية اليومية، تلقيت دعوة لطيفة من برنامج العربية FM للحديث عن موضوع من الموضوعات الشيقة في التربية؛ ألا وهو التربية بالفكاهة، وعندها بدأت أفكاري، وذكرياتي تتقافز أمامي تريد أن تشاركني اللقاء، والحديث عن أجمل الفكاهات والطرائف والنكات التي دارت في سيرة حياتي كمعلم وأب.
مرة واحد اثنين ثلاثة، قابلوا أربعة خمسة ستة. كلمات بسيطة رددها معلمونا الأوائل -حفظ الله حيهم ورحم ميتهم-، ليعلمونا من خلالها في بداية رحلة التعليم والانخراط في المجتمع معنى وقيمة الأرقام، وبطريقة بسيطة أقرب إلى الفكاهة منها إلى الجمود والجدية.
لا تعد الفكاهة خرقا للتقاليد أو الأعراف أو خروجا عن الدين أو الإيمان؛ بل هي ترويح للقلب والعقل، يستخدمها الكبير والصغير في مجالسهم، بعضهم للترفيه، وآخرون للتوعية والتذكير، تأتي في سياق ما، يتلقاها المتلقي بحسب هواه، فإن ضحك فقد حققت هدفها، وإن أخذ منها عظة وعبرة فقد كفت ووفت. المشكلة هنا في وقت الفكاهة ومناسبتها للحديث وسياقه، وللوقت ومدلولاته، فإن كان الحديث جديا والوقت محسوبا علينا، فلا مجال للنكات والفكاهات، بل تعد في هذا الوقت من الترهات التي تؤذي أكثر مما تفيد، وتكدر أكثر من أن تعبر.
والفكاهة في أصلها اللغوي تدل على جانبين؛ الطيب والاستطابة في نفس المتكلم، وما يستحلى من الكلام. وهي تعني المزاح والملح من الكلام وطريفه. والفكه من الناس الطيب النفس الذي يضحكهم ويبعث السرور في نفوسهم، والفكاهة من معانيها الدعابة والظرف وخفة الروح.
التربية بالفكاهة هي مفهوم يتداخل فيه الضحك والنكت مع أساليب التوجيه والتربية. يمكن أن تكون وسيلة فعالة للتواصل الإيجابي داخل الأسرة، ولكنها تحتاج إلى توازن دقيق. وهي يمكن أن تكون وسيلة فعالة إذا تم استخدامها بحكمة، فمن المهم أن نكون واعين لتأثيرها على شخصية الطفل، وأن نبحث عن توازن بين المرح والانضباط لتحقيق تربية متكاملة.
الفكاهة في التربية هي قدرة الأهل على استخدام الضحك والنكات والمواقف المرحة كوسيلة للتواصل مع الأطفال وتعليمهم. هذا الأسلوب لا يعني عدم الجدية في التربية، بل على العكس، يمكن أن يكون وسيلة فعّالة لنقل القيم والمبادئ بطريقة غير تقليدية وجذابة. إن التربية بالفكاهة تساعد على تعزيز الروابط العاطفية بين أفراد الأسرة، وتجعل الجو داخل المنزل أكثر بهجة وسعادة.
للتربية بالفكاهة فوائد عديدة، من أهمها تعزيز التواصل بين الأهل والأبناء، مما يسهل عملية التفاهم والحوار، كما أنها تساعد على تقليل التوتر، فالضحك يعتبر من أهم الوسائل لتخفيف التوتر والضغط النفسي، مما يخلق بيئة منزلية مريحة. من خلال الفكاهة يمكن للأهل تشجيع التفكير الإيجابي حيث يمكن تعليم الأطفال كيفية النظر إلى الحياة من زاوية إيجابية، كما أنها تعزز الثقة بالنفس لدى المتلقي، فالأطفال الذين يكبرون في بيئة تحتوي على الضحك والفكاهة يكونون غالباً أكثر ثقة بأنفسهم.
من المهم أن نوضح أن التربية بالفكاهة لا تعني الفوضى أو عدم الانضباط. يمكن للأهل تحقيق توازن بين المرح والانضباط من خلال وضع قواعد واضحة، ولكن بطريقة مرحة، على سبيل المثال، يمكن استخدام الأغاني أو الألعاب لشرح القواعد والحدود، مما يجعل الأطفال أكثر تقبلاً لها.