د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تعتبر السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، تسعى أيضا إلى الريادة والسبق في مجال تصدير المنتجات المستدامة مثل الهيدروجين والأمونيا الزرقاء والخضراء، وذلك كي تضمن لنفسها مكانة تنافسية مربحة، وتهدف ضمن مشاريعها الطموحة إلى أن تمثل مصادر الطاقة المتجددة بحلول 2030 أكثر من 50% من مزيج الطاقة محليا، وتعتمد السعودية في إنتاج الكهرباء على الغاز الطبيعي والزيت الخام والوقود التي تساهم في إنتاج ما يقارب من 257 جيجاوات - ساعة.
تقف السعودية اليوم أمام فرصة استثنائية لإعادة تعريف دورها في مشهد الطاقة العالمي، وتحقيق هدف نحو توليد نصف كهربائها من مصادر نظيفة بحلول عام 2030، ليس مجرد مشروع وطني، بل إنه تتقاطع فيه الاستدامة مع السيادة الاقتصادية، وتتعامل السعودية بنهج أكثر واقعية وتوازنا في التعامل مع مستقبل الطاقة، أي أن السعودية تتجه نحو الاستدامة عبر التوازن، لكنه يعكس جدية السعودية في المزج بين إرثها النفطي ورهاناتها الخضراء، أي أن السعودية تتبع مقاربة التوازن الذكي كخيار استراتيجي، وتوازن الدولة بين التوسع في مشاريع النفط والغاز، وبين إطلاق مشاريع الطاقة المتجددة.
السعودية بحكم موقعها ومناخها تعد واحدة من أكثر مراكز إنتاج الطاقة الشمسية ربحية في العالم، ويرجع ذلك إلى مساحاتها الشاسعة، وطول مدة الإشعاع الشمسي، ولن تتوقف عند هذا الحد بل سجلت السعودية رقما قياسيا لأدنى سعر تكلفة عالمي في مجال الطاقة الشمسية الكهروضوئية، حيث وصل إلى 2.3 سنت للكيلوواط في الساعة، وحددت هدفا بأن يبلغ إنتاج الطاقة المتجددة 57.7 جيجاوات بحلول 2030 منها 40 جيجاوات ستكون من الطاقة الشمسية الكهروضوئية.
وستمتلك السعودية نحو 200 جيجاوات في 2030 بعدما أعلن وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان أن السعودية تعتزم استثمار 266.4 مليار دولار في مجال إنتاج الطاقة النظيفة، وهو توازن ذكي تحافظ السعودية على مكانتها كمنتج رئيسي للنفط، مع فتح آفاق جديدة للطاقة المستدامة لتكون رائدة في المجالين، وتعزيز موقع السعودية في مؤشرات الاستدامة العالمية، بما يجعلها أكثر جذبا للاستثمار الأجنبي، لتصبح مركزا إقليميا للطاقة بكل أنواعها، وفق وكالة بلومبرغ فإن احتياجات السعودية تبلغ 77 جيجاوات ثلثيها من الغاز الطبيعي وثلث من النفط، ما يعني لديها فائض كبير جدا فرصة كبيرة للتصدير.
سقف طموح السعودية ليس مجرد شعارات، بل هو أحد أبرز مستهدفات رؤية 2030 وسط دعم سياسي وتنظيمي لتحقيق ريادة السعودية في مجال تصدير الطاقة المستدامة لما تملكه من ميزات نسبية باعتبار أن لديها سواحل طويلة، إذ خلصت دراسة إلى أن سواحل السعودية قادرة على توليد أكثر من 200 جيجاوات من الكهرباء عبر طاقة الرياح البحرية بمعدل تشغيل يناهز 35.2% وهو من أعلى المعدلات عالميا، واعتمادها في هذا التحول على مشاريع طموحة من أبرزها مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر الذي من المتوقع أن تنتج 600 طن في عام 2026 مدعوما بأربعة جيجاوات من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
تواصل السعودية قطف ثمار طموحاتها، فقد شهد وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان بشراء الشركة السعودية طاقة نظيفة لمشاريعها بسعة إجمالية تبلغ 15 جيجاوات بقيمة 31 مليار ريال ضمن جهود السعودية لتعزيز التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة، تشمل تنفيذ خمسة مشاريع للطاقة الشمسية بالإضافة إلى مشروعين لطاقة الرياح، وذلك في إطار استراتيجية تنويع مزيج الطاقة، وبتكلفة لإنتاج الكهرباء تبلغ 6.46755 هللة لكل كيلوواط-ساعة، 1.72468 سنت لكل كيلوواط - ساعة، خصوصا بعدما انخفضت تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية بنحو 90% خلال العقد الماضي، مما يجعلها بديلا أرخص في توليد الكهرباء، وستكون جزءا من خطط السعودية لتركيب 41 جيجاوات من ألواح الطاقة الشمسية، أيضا حققت السعودية السعر الأكثر تنافسية على مستوى العالم في توليد طاقة الرياح، وسجل سعر تكلفة إنتاج الكهرباء البالغ 1.99 سنت لكل كيلوواط - ساعة وهو رقما قياسيا على مستوى العالم.
إلى جانب اهتمام السعودية بإنتاج الطاقة النظيفة المستدامة وفي نفس الوقت تستهدف أرامكو السعودية احتجاز 14 مليون طن من الكربون سنويا بحلول عام 2035، ويعد مركز احتجاز الكربون في مدينة الجبيل الصناعية المتوقع تشغيله عام 2027 جزءا مهما من هذه الجهود، وتعهدت السعودية بعدم بناء محطات طاقة جديدة تعمل بالوقود الأحفوري إلا إذا كانت مجهزة بتقنية احتجاز الكربون.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقا