د. رشام خالد
إنَّ من خصائصِ القانون وجوهره: أنه كائنٌ حيٌ وقاعدةٌ اجتماعية؛ وعليه: فهو يعيدُ تشكيل نفسه لمواكبة المتغيرات؛ وظلَّت القواعد القانونية مرتبطة باجتهاد البشرية بحثاً وتفسيراً وصياغة وشرحاً؛ حتى ألقى العصر الرقمي على الميدان القانوني وألقى بظلاله كما ألقى على غيره من المجالات؛ وطرحت التحديات غير المعهودة؛ ومن ضمنها: الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي لم يعد كغيره مساعداً فحسب، بل أصبح أساساً وفاعلاً في شتى الجوانب والمجالات ومن ضمنها مجال القضاء والقانون؛ وله فوائده وآثاره، وسياساته وآلياته.
فمن فوائده أنه: رفع كفاءة المحامين، وتسريع الفصل في القضايا، واستحداث أنماط جديدة من التعامل القانوني.
ومع هذه الفوائد الواقعة والواعدة، لا تخلو من مخاوف وتحديات؛ ولا سيما في مسؤولية القرار المتخذ دون تدخل بشري.
وفي هذا الامتداد والمداد، تأتي المملكة العربية السعودية سباقةً في مجال الذكاء الاصطناعي وسارعت إلى التقنين والتنظيم، واضعة بذلك نموذجاً يُحتذى في التكامل بين التشريع والتقنية، بحيث لا يكون التطور عائقاً أمام العدالة، بل داعماً لها.
إن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في القطاع القانوني أصبح حاجةَ وضرورة وعليه فلم يكن خياراً والسبب في ذلك أن المعلومات متسارعة والتشريعات كثيرة، ومجالات التقاضي واسعة؛ وقد باتت تطبيقات الذكاء الاصطناعي اليوم تُقدم خدمات لم يكن يتصورها رجال القانون قبل عقود، من أبرزها: الجانب التحليلي: في آلاف الكلمات القانونية في دقائق، وفرز السوابق القضائية، وكذلك استشراف مآلات القضايا بالتنبؤ بأحكامها باستخدام الخوارزميات لتحليل مساراتها، وكذلك تقديم الاستشارات بحسب الاستقراء، وأيضاً صياغة العقود.
فرجال القانون، يستعينون بهذه التقنية في البحث، وصياغة العقود، والتدقيق في الوثائق، ومراجعة السوابق القانونية، حتى صارت هذه الآلة تُدرك في ساعةٍ ما كان يُستقصى في أيام. ولا يقف الأمر عند هذا، بل إن الذكاء الاصطناعي اليوم قادرٌ على تحليل العقود، وإحصاء المخاطر، وبيان مواطن الخلل، وتصنيف الحجج، حتى ليكاد يقوم مقام الخبير المتمرّس.
وكان من قبلُ، أن القاضي إذا عرضت عليه نازلة، احتاج إلى التدبر الطويل، والمطالعة في السجلات، واستقصاء أحكام القضاة من قبله، حتى يخلص إلى الرأي الصواب، والقول الذي لا يُدحض. وأما اليوم، فقد جاء الذكاء الاصطناعي يُعينه، يجمع له المتشابهات، ويُخرج له الأحكام السابقة، ويرتب له الحجج كما تُرتب الجواهر في العقد، فلا يضيع عليه جهد، ولا ينقصه دليل.
ومن تقنيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة هي إدارة الدعاوى وحوكمة المحاكم، وجدولة الجلسات؛ ومن المفاخر في نظام القضاء في المملكة العربية السعودية منصة نظام ناجز التي تتقدم يوماً في يوم لتبرز وجهاً من تقدم القضاء في المملكة العربية السعودية
وتأسيساً على ذلك؛ فأصبح الذكاء الاصطناعي شريكاً يسهم في رفع كفاءة العمل القانوني؛ ومحل السؤال لدى الكثير؛ هل سيحل عن الاجتهاد البشري؟ والجواب: لا كما سيتبين في سلسلة المقالات التي سنكتبها.
ومن أبرز التقنيات التي أظهرت العقود الذكية؛ وهي التي العقود التي تُنفذ تلقائياً بمجرد تحقق شروطها، دون الحاجة إلى توقيع أو مصادقة قضائية. هذا التعاقد، رغم كفاءته، تبرز معه تحديات وهي مدى قابلية العقد الذكي للطعن، أو الإبطال؛ ولا سيما في حال إلحاق الضرر بأحد الأطراف، والمسؤولية القانونية في وقوع الخطأ البرمجي ومن يتحمل تبعاته، وما يتصل بالاختلاف على تفسير العقد.
وفي هذا الخصوص، قامت المملكة وفي ظل رؤية المملكة العربية السعودية 2030 وبرزت العديد من الجهود والإنجازات السباقة؛ ومن: القمة العالمية للذكاء الاصطناعي (ليب) جمعت كبار الخبراء العالميين لمناقشة دور الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل القطاعات المختلفة، ومنها القضاء.
وأيضاً: تحديث التشريعات الرقمية: إصدار أنظمة حديثة تُنظم التعاملات الإلكترونية، وتضمن توافق العقود الذكية مع المبادئ القانونية.
وكذلك: إنشاء هيئة الأمن السيبراني وهيئة الفضاء.
وبهذه الجهود، أصبحت السعودية قائدة في صياغة مستقبل القانون الرقمي.
** **
- تخصص محاماة واستشارات قانونية