تهاني محمد القحطاني
في خطوة نوعية تعكس رسالتها العلمية والثقافية، أطلقت دارة الملك عبدالعزيز مبادرة «وثائق الدارة»، بوصفها مبادرة معرفية ومجتمعية تهدف إلى إتاحة مجموعة مختارة من الوثائق التاريخية ذات القيمة العالية، ضمن مشروع وطني لحماية الذاكرة السعودية، وتعزيز الهوية، وخدمة الباحثين والمؤرِّخين وصنَّاع المحتوى.
تأتي المبادرة امتدادًا للجهود المؤسسية التي تبذلها الدارة في جمع الوثائق الوطنية وتنظيمها وفهرستها وفق أعلى المعايير العلمية، بما يضمن توثيق الأحداث وتحقيق الاستفادة البحثية والثقافية منها. وقد حرصت الدارة من خلال هذه المبادرة على تسليط الضوء على خدمة الإتاحة الرقمية للوثائق، بوصفها أحد أهم محاور التحول المعرفي في المملكة، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 .
تهدف «وثائق الدارة» إلى تمكين الباحثين من الوصول السريع والموثوق إلى الوثائق التاريخية، عبر بوابة بحثية رقمية متطورة تتيح تصفح آلاف الوثائق والمخطوطات والصور والتاريخ الشفوي والخرائط والصحف. وتُقدَّم هذه الوثائق بوصفٍ دقيق، مع توفير الترجمة للوثائق المكتوبة بغير اللغة العربية، مما يعزِّز من فرص استخدامها في الدراسات الأكاديمية وصناعة المحتوى المعرفي.
كما تتيح مراكز خدمات المستفيدين في دارة الملك عبدالعزيز -بالرياض، جدة، مكة المكرمة- الفرصة للزوار للاطلاع على الوثائق والاستفادة من البوابة البحثية ضمن أوقات محددة.
تمر الوثيقة في دارة الملك عبدالعزيز بسلسلة متكاملة من المراحل تبدأ بالاستحواذ عليها من خلال الشراء أو الإهداء أو التبادل، ثم الفحص والتعقيم والمعالجة الكيميائية، تليها مرحلة الرقمنة عالية الدقة، ثم الأرشفة العلمية باستخدام معايير دولية مثل MARC 21، وأخيرًا تخزينها في مستودعات رقمية محكمة، قبل أن تُتاح للباحثين عبر المنصات الرقمية أو في المعارض والفعاليات.
تمثِّل الدارة جهة وطنية مرجعية في حفظ الوثائق وخدمة المجتمع الأكاديمي والثقافي، كما تعزِّز هذه المبادرة دقة الكتابة التاريخية والصحفية، وتُعد رافدًا علميًا وثقافيًا يخدم المؤرِّخين والباحثين والمؤلفين وصنَّاع المحتوى والطلبة، وتُعيد توجيه أنظار الباحثين إلى الوثائق بوصفها أدوات فاعلة في إنتاج المعرفة، ومصدر إلهام لكتَّاب الرواية وصانعي الأفلام الوثائقية. وتستهدف المبادرة عدة فئات من أبرزها: الأكاديميون، وطلاب الدراسات العليا، والمؤرِّخون، والإعلاميون، والمبدعون، والمؤسسات الثقافية والتعليمية. من المتوقع أن تسهم المبادرة في رقمنة آلاف الوثائق التاريخية، ورفع نسبة التفاعل مع خدمات المستفيدين، ودعم الرسائل الجامعية والأبحاث الأكاديمية، وتقديم محتوى موثوق للباحثين وصنَّاع القرار. «وثائق الدارة» ليست مجرد مشروع توثيقي، بل خطوة إستراتيجية نحو تعزيز الوعي بالتاريخ الوطني، وتحفيز المجتمع على المساهمة في حفظ إرثه الوثائقي. إنها مبادرة تسعى إلى أن يكون لكل فرد دور في صيانة ذاكرة الوطن، وبناء مستقبل معرفي يقوم على أسس دقيقة، ومصادر موثوقة، وهوية راسخة.