كوثر الأربش
في زمن تتراكم فيه صور الجمال المصنّع والنجاح الوهمي، أصبح المجتمع مهووسًا بفكرة المثالية، كأن كل شيء يجب أن يكون «ولا غلطة». هذه العبارة، التي تبدو للوهلة الأولى كمديح، تخفي خلفها عبئًا ثقيلًا من التوقعات والضغط والتزييف.
نعيش في مجتمعات ترفع شعار الكمال، لكنها لا تحتمل الخطأ. الطفل المثالي، الفتاة المثالية، العائلة المثالية، الزوج المثالي، حتى المظهر المثالي. كل شيء يجب أن يمرّ تحت عدسة لا ترحم، وكأن الخطأ عار لا يُغتفر. هذا الهوس لا يولّد إلا جيلاً مشوَّشًا، يلاحق صورة مثالية لا تشبهه، ولا تعنيه، لكنه مضطر لتقمّصها حتى لا يُقصى أو يُحكم عليه.
ثقافة «ولا غلطة» تجعل الناس يتقنون التجمّل أكثر من الصدق، يخفون آلامهم ويكذبون على أنفسهم ليظهروا كما يجب. لا أحد يعترف بفشله، لا أحد يجرؤ على التعبير عن ضعفه، لأن المجتمع لا يسامح. من هنا، تبدأ أزمة الهوية. ننسى من نحن، وننشغل بمن نُفترض أن نكونه.
من المسؤول؟ الإعلام يصوّر لنا النجاح على أنه ثروة وشهرة، التربية تزرع الخوف من الخطأ بدل حبّ التعلّم، والدين حين يُختَزل في شعارات سطحية يُستخدم لتخويف الناس لا تحريرهم. حتى وسائل التواصل الاجتماعي حولتنا إلى صور وتعليقات وإعجابات، وعلّمتنا أن القيمة في الشكل لا الجوهر.
لكن النتيجة واضحة: جمود. لا أحد يجرؤ أن يبتكر أو يغامر، لأن الخطأ ممنوع. العلاقات أصبحت هشّة، لأن الكلّ يريد علاقة «ولا غلطة»، مع شريك «ولا غلطة»، في بيت «ولا غلطة». كأننا نعيش في إعلان تجاري طويل، لا في حياة بشرية مليئة بالتناقضات.
يقول كارل يونغ:
كلما سعينا نحو الكمال، فقدنا شيئًا من إنسانيتنا.»
وفي الحقيقة.. الخطأ ليس فشلاً، بل هو المادة الخام لكل تطوّر. المثالية ليست في غياب العيوب، بل في مواجهة العيوب بشجاعة ونُبل. حين نتحرر من عقدة «ولا غلطة»، نصير أكثر إنسانية، وأقل قسوة على أنفسنا وعلى من حولنا
أو كما اختصرها «روبرت غرين» :
(في كل خطأ فرصة. وفي كل فرصة احتمالية لشيء لم يكن في الحسبان).