فضل بن سعد البوعينين
يبحث المستثمرون عن البيئات الاستثمارية الآمنة، لضخ استثماراتهم والتوسع فيها. جملة من المخاطر والتحديات التي يضعها المستثمرون نصب أعينهم قبل البدء في ضخ استثماراتهم، تحوطا لحمايتها، وتعظيما للعوائد المتوقعة، ومنها التحديات الأمنية، والتنظيمية، والتشريعية، و الاقتصادية بما فيها مخاطر العملة المحلية، غير أن تلك التحديات لم تكن حاضرة حين إتخاذ قرار ضخ الاستثمارات السعودية في سوريا، ليس جهلا بدراسة المخاطر ومتطلبات الإستثمار، بل تجاوزا لها، من أجل تحقيق عوائد تنموية، وأمنية أعلى وأشمل من العوائد المالية المُحفزة للاستثمارات الأجنبية.
فقاعدة «رأس المال جبان» التي تحكم تصرفات المستثمرين، غُيِّبَت عن الاستثمارات السعودية في سوريا، وأستُبدِلَت بقاعدة رأس المال المبادر لتحقيق التنمية الشاملة من خلال الاستثمارات الحكومية والخاصة، المدعومة بإرادة القيادة السعودية، وترحيب من الحكومة السورية الأكثر حكمة، وتفهما لمتطلبات مرحلة التعافي الاقتصادي، وإيمانا بقدرات المملكة، ومواقفها الداعمة للأمن والسلم الدولي عموما، وأمن وإستقرار ونهضة سوريا وازدهارها، على وجه الخصوص.
قدمت المملكة، تنمية سوريا، والنهوض بإقتصادها، على المكاسب الاستثمارية، وسخرت ملاءتها المالية، وقدراتها الفنية، وقدرات القطاع الخاص، لتحقيق مستهدفات التنمية وإطلاق مشروعات الطاقة والبنية التحتية التي لا يمكن النهوض دونها. كما قدمت تجربتها الاستثمارية كمحفز للاستثمارات الأجنبية التي تنتظر النتائج الأولية للدخول إلى السوق السورية. فالاستثمارات السعودية أشبه بالجسر الذي ستمر من خلاله استثمارات دولية أخرى، أما بصورة مستقلة، أو من خلال شراكات تسهم في تسريع تدفق الاستثمارات الأجنبية وتسريع برامج إعادة الإعمار.
هي رؤية القيادة السعودية التي تبناها القطاع الخاص وفق منظومة تكاملية، وأهداف إستراتيجية، ورؤية شمولية داعمة لتحقيق أمن وإستقرار وإزدهار سوريا، وبما ينعكس على أمن واستقرار المنطقة.
سمو وزير الخارجية، الأمير فيصل بن فرحان، أكد خلال زيارة سابقة لسوريا، بأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وجه بتقديم أشكال الدعم والإسناد لها. لم يطل الوقت على انتهاء زيارة سمو وزير الخارجية السعودي والوفد الاقتصادي المرافق، حتى بدأت زيارة الوفود السعودية، بدءاً بوفد رجال الأعمال الذي إلتقى الرئيس السوري السيد أحمد الشرع، ثم زيارة وزير الإستثمار المهندس خالد الفالح و الوفد الاستثماري السعودي، الذي ضم أكثر من 100 شركة من القطاع الخاص إلى جانب 20 جهة حكومية، وهي زيارات مهمة جاءت بتوجيه مباشر من سمو ولي العهد، ما يؤكد دعم السعودية لمسيرة التعافي والتنمية في سوريا. سمو ولي العهد وجه أيضا بتأسيس مجلس أعمال سعودي ـ سوري، وأن تكون عضويته على أعلى المستويات ومن كبار رجال الأعمال، وبما يسهم في تعزيز العلاقات الاستثمارية وتحويل الفرص إلى مشروعات قائمة وداعمة للإقتصاد السوري.
الإعلان عن توقيع 47 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة إجمالية تقارب 24 مليار ريال سعودي (نحو 6.4 مليار دولار) بينها إنشاء 3 مصانع جديدة للأسمنت، خلال المنتدى السعودي السوري الذي حضره الرئيس أحمد الشرع، يؤكد مضي المملكة قدما في تنفيذ مشروعات تنموية نوعية، والبدء في إرساء قاعدة استثمارية محفزة لاستقطاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية. تمتلك سوريا الكثير من الفرص الاستثمارية الواعدة، مدعومة بثروات بشرية وموارد طبيعية مهمة، وكفاءات بشرية مهاجرة تمتلك الخبرات الداعمة للنهوض السريع. كما تمتلك موقعاً استراتيجياً فريدا يمكن أن يسهم في ربط المنطقة العربية بأوروبا من خلال البحر الأبيض المتوسط، ويسهم أيضا في تحقيق رؤية الشرق الأوسط الجديد.
من المتوقع أن تنعكس الاستثمارات السعودية إيجاباً على العملة السورية، وتسهم في استقرارها وبما يحقق أحد أهم محفزات جذب الاستثمارات الأجنبية. إضافة إلى ما ستوفره من وظائف وفرص استثمارية صغيرة ودعما مباشرا للحركة الاقتصادية التي ستسهم في توجيه الشعب السوري نحو العمل والإنتاج، وإعادة دوران الاقتصاد بمحركات دفع داخلية.
الإتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تم توقيعها في المنتدى الاقتصادي، شكلت بداية الشراكة الاقتصادية بين البلدين، ونواة الاستثمارات الخاصة، ومن المتوقع أن تتبعها مزيد من الاستثمارات السعودية، والاستثمارات الأجنبية، يؤكد ذلك توقيع السعودية وسوريا مذكرة تفاهم في مجالات الطاقة ونقل التكنولوجيا في مجال الكهرباء، والتي شملت تعزيز التعاون الثنائي في قطاعات الكهرباء والطاقة المتجددة، والربط الكهربائي الإقليمي، والنفط والغاز، والبتروكيماويات، وتحولات الطاقة والتقنيات الحديثة، ما يؤكد إهتمام قيادة المملكة بمستقبل سوريا، واستدامة الدعم وتحفيز اقتصادها، وبذل الجهود الرامية لتحقيق أمنها وإستقرارها وإنعاش إقتصادها، بخطوات مدروسة، ورؤية إستراتيجية، ودعم لامحدود لدمشق، وللشعب السوري الشقيق.