د.عبدالرحيم محمود جاموس
في تصريحٍ مفاجئ، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجمعة الماضي 27 يونيو أن وقف إطلاق النار في غزة قد يتحقّق خلال أسبوع.
تصريح حمل نبرة تفاؤلية غير مدعّمة بتفاصيل، ويأتي بعد أكثر من 631 يومًا من العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، والذي خلّف دمارًا شاملاً، وارتقى خلاله أكثر من 5 % من سكان القطاع بين شهيد وجريح، مع تدمير ممنهج للبنية التحتية ومقومات الحياة.
لكن السؤال الصريح: لماذا تأخّر ويتأخر وقف إطلاق النار...؟
السبب الأبرز يكمن في تعنّت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، التي ربطت أي تهدئة بـتفكيك المقاومة الفلسطينية كليًا، وبما يشبه الاستسلام الكامل، وهو ما ترفضه فصائل المقاومة، التي تطالب بانسحاب كامل من القطاع، ورفع الحصار، وضمانات دولية، إضافة إلى الإفراج المتبادل عن الأسرى والرهائن.
في المقابل، لم تظهر الولايات المتحدة -حتى اللحظة- ضغطًا حاسمًا على إسرائيل لإيقاف المجازر بحق المدنيين ومسح عائلات بأكملها من السجل المدني، رغم إدراكها الكامل لحجم الكارثة الإنسانية. أما الوسطاء الإقليميون، من قطر ومصر وغيرهما، فقد بدت جهودهم محدودة التأثير.
وفي خلفية هذا المشهد، يبرز طموح ترامب الواضح لنيل جائزة نوبل للسلام، وقد صرّح مرارًا برغبته في أن يُسجَّل في التاريخ كرجل أنهى الحروب.
وبعد نجاحه الأخير في احتواء التصعيد بين إيران وإسرائيل، يرى ترامب أن تحقيق هدنة دائمة في غزة قد يُتوَّج إنجازه كـ«صانع سلام».
لكن المفارقة المؤلمة: أين غزة من هذا الطموح الترامبي؟!
أين هو «رجل السلام» بينما يُباد الأطفال، وتُهدم المنازل على رؤوس ساكنيها، ويُمنع الدواء والماء والغذاء والكهرباء عن المحاصَرين؟
كيف يُصنع السلام بيدٍ تدعم المعتدي، وتُمسك العصا من طرفٍ واحد؟
لقد أصبح واضحًا أن تأخر وقف إطلاق النار ليس سببه تعقيد الملفات وحدها، بل لأن بعض الأطراف تُدير الصراع لا تُحاول حله، وتستثمر في الوقت والدم، بحثًا عن مكاسب تفاوضية أو انتصارات وهمية وانتخابية.
إن الدم الفلسطيني ليس مادة إعلامية، ولا ورقة ضغط تفاوضية، بل هو امتحان أخلاقي وسياسي لكل من يزعم السعي للسلام.
على الرئيس ترامب، إن أراد فعلًا أن يُسجّل اسمه في سجل السلام، أن يُثبت قدرته على فرض وقف فوري لإطلاق النار، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والرهانات الإسرائيلية التي لا ترى في غزة سوى ساحة للإبادة البطيئة، وأن يطلق مساراً تفاوضياً جاداً ينهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ويؤدي إلى تنفيذ حل الدولتين وفق قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
إن استمرار العدوان على غزة، أمام أعين العالم، هو وصمة عار، وإنهاؤه هو الحد الأدنى من الاستجابة لمسؤوليةٍ إنسانية وأخلاقية لا تقبل التأجيل.
فهل يفعلها الرئيس ترامب؟
أم تظل غزة جرحًا نازفًا... خارج رادار «السلام العادل» الذي يدّعيه بعضهم...؟ كي يُمكِن اليمين الصهيوني المزدوج من تنفيذ مخططاته الاستعمارية الاستيطانية في الضم والتهجير، وتصفية القضية الفلسطينية نهائياً....؟.