د. أحمد محمد القزعل
التربية للأطفال هي العملية التي تهدف إلى تعليم الأطفال المبادئ الأساسية للمجتمع، من خلال تطوير مهارات التفكير النقدي والفهم المدني والوعي السياسي، وتهدف التربية إلى تزويد الأطفال بالأدوات والمهارات التي تمكنهم من المشاركة الفعّالة في مجتمعاتهم وفهم القضايا الاجتماعية التي تؤثر في حياتهم اليومية، كما وتعتبر التربية للأطفال عنصراً أساسياً في تشكيل مواطنين واعين ومشاركين في الحياة، إذ تساهم في غرس القيم والمساواة وحقوق الإنسان، وتتراوح التربية للأطفال من تعليم المبادئ الأساسية مثل فهم النظام السياسي والقوانين إلى تعزيز مفاهيم متعددة مثل حقوق الطفل وكيفية التعامل مع القضايا الاجتماعية من خلال منظور عقلاني ونقدي.
ومن خلال التربية يمكن للأطفال أن يتعلموا كيفية ممارسة حقوقهم وأهمية المشاركة في الحياة العامة، وكيفية التعامل مع اختلاف الآراء والسياسات بشكل مدروس وهادئ، وهذه التربية تعمل على تعزيز الولاء والانتماء إلى المجتمع، بالإضافة إلى تعزيز الشعور بالمسؤولية تجاه القضايا التي تؤثر على المجتمع، وتكتسب التربية للأطفال أهمية كبيرة في وقتنا الحالي خاصة في ظل العولمة التي جعلت من العالم قرية صغيرة، حيث أصبحت الأحداث الاقتصادية تؤثر في الجميع.
وتعد التربية للأطفال وسيلة لتعزيز الوعي الاجتماعي وتساعد الأطفال على فهم الحقوق والواجبات المدنية، ومن خلال هذه التربية يتمكن الأطفال من تعزيز الوعي بالحقوق والواجبات حيث تساهم التربية في تعليم الأطفال حقوقهم المدنية، مثل الحق في التعبير وحقهم في تلقي المعلومات، كذلك من خلال تربية الأطفال على احترام القيم مثل الحرية والعدالة والمساواة، فإننا نساهم في تشكيل جيل قادر على المشاركة الفعّالة في بناء مجتمعاته، ومن خلال التربية يتعلم الأطفال كيفية التفكير بشكل نقدي حول القضايا الاجتماعية، وكيفية التعامل مع التحديات التي يواجهها المجتمع مما يمكنهم من اتخاذ قرارات مستنيرة في المستقبل، وتعزز التربية من تنمية حس المسؤولية لدى الأطفال مما يشجعهم على المشاركة في الأنشطة المجتمعية والمساهمة في تحسين مجتمعهم، كما تساعد التربية للأطفال على فهم الأحداث العالمية والعلاقات بين الدول، مما يعزز لديهم الوعي بالواقع المعاصر ويشجعهم على الانخراط في القضايا العالمية مثل حقوق الإنسان والتغيرات المناخية.
وتستند التربية للأطفال إلى عدة أسس ومقومات تهدف إلى تحقيق أهدافها، ومن أهم هذه الأسس:
المحتوى التعليمي الشامل الذي يجب أن يتضمن المنهج التعليمي للأطفال مجموعة من المواضيع الأساسية التي تهمهم، مثل النظام السياسي وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والبيئة، وهذه المواضيع تساعد الأطفال على فهم كيف تؤثر في حياتهم بشكل يومي، كما يجب أن تكون طرق التعليم مبتكرة وتفاعلية مثل المناقشات الجماعية والألعاب التعليمية والمشاريع الجماعية التي تتيح للأطفال التعرف على العمل بشكل عملي، ويجب أن يكون هناك تعاون بين المدرسة والأسرة في تربية الأطفال، إذ يمكن للأسرة أن تساعد في تعزيز المفاهيم المطلوبة من خلال النقاشات المنزلية وتشجيع الأطفال على متابعة الأخبار أو المشاركة في الأنشطة المجتمعية.
يقول الكاتب الأمريكي جون ديوي: «التعليم ليس مجرد نقل للمعرفة، بل هو أيضاً وسيلة لتكوين أفراد قادرين على فهم العالم من حولهم والمساهمة في تشكيله»، وهذا ينطبق تماماً على التربية للأطفال التي تسعى لتعليمهم كيفية فهم القضايا الاجتماعية، والآن في عصرنا الحاضر تعتبر التربية للأطفال جزءاً لا يتجزأ من المناهج التعليمية في العديد من دول العالم المتقدمة، ففي بعض المدارس الأوروبية يوجد برنامج «الطفل والمواطن»، الذي يركز على تعليم الأطفال حقوق الإنسان، وفي كندا يوجد مشروع «التربية على المواطنة»، الذي يقوم على تعليم الأطفال كيفية التعامل مع التحديات الاجتماعية في مجتمعاتهم، ويتم تشجيع الأطفال على طرح حلول لمشاكل محلية مثل تحسين البيئة أو تقليل الفقر مما يعزز لديهم روح المبادرة والمشاركة المجتمعية، ويوجد بعض المدارس في الدول العربية بدأت بتطبيق بعض الأنشطة التي تهدف إلى تعليم الأطفال المواطنة، مثل مناقشة القضايا الوطنية من خلال المناظرات الطلابية أو تنظيم ورش عمل حول حقوق الإنسان.
ولتطوير التربية للأطفال يجب أن تتضمن المناهج التعليمية مفاهيم المواطنة منذ المراحل التعليمية الأولى، بحيث يصبح الطفل على دراية بحقوقه كطفل، والتدريب على مهارات القيادة والمشاركة المجتمعية من خلال تنظيم أنشطة متنوعة مثل الانتخابات المدرسية والعمل الجماعي مما يمكن الأطفال من اكتساب المهارات اللازمة ليكونوا قادة فاعلين في المستقبل، وضرورة استخدام التكنولوجيا في تعليم التربية من خلال مواقع الإنترنت والبرامج التفاعلية واستخدام الألعاب التعليمية أو تطبيقات الهواتف المحمولة مما يساهم في زيادة الوعي لدى الأطفال، ويجب تعليم الأطفال كيفية التعامل مع الأخبار والمعلومات التي يتعرضون لها عبر وسائل الإعلام المختلفة، من خلال تطوير مهاراتهم في تحليل الأخبار والتأكد من صحتها، ونشير إلى أهمية تشجيع الأطفال على الانخراط في الأنشطة التي تعزز من قدرتهم على المساهمة في حل مشكلات المجتمع، مثل حملات جمع التبرعات وتنظيف الأحياء والمشاركة في الأعمال التطوعية.
ومن نافلة القول: فإن التربية للأطفال أداة أساسية لتشكيل مواطنين صالحين وواعين، قادرين على مواجهة تحديات العصر والمشاركة في تحسين مجتمعاتهم، وإن تعليم الأطفال مبادئ المواطنة منذ سن مبكرة سوف يساهم في بناء جيل قادر على اتخاذ القرارات العقلانية والعمل من أجل مصلحة المجتمع، ومن خلال تطبيق برامج متكاملة للتربية يمكننا تمكين الأطفال من التفكير النقدي والمشاركة الفعّالة في الحياة وبالتالي إحداث التغيير الذي يحتاجه المجتمع.