خالد محمد الدوس
تمثِّل رؤية المملكة 2030 إطاراً إستراتيجياً شاملاً لتحقيق التنمية المستدامة في وطننا الغالي، وقد أولت اهتماماً كبيراً بالبيئة المستدامة من خلال صياغة سياسات عصرية تواكب متطلبات المرحلة، حيث تعد حماية البيئة وتعزيز الاستدامة من الركائز الأساسية للرؤية.. تأتي هذه الأولوية انطلاقاً من إدراك المملكة للتحديات البيئية العالمية مثل: التغيّر المناخي، وقضايا التلوّث، وشح الموارد وغيرها.
كما أطلقت المملكة عدة مبادرات بيئية تحت مظلة هذه الرؤية الطموحة: مثل مبادرة السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر والتي تهدف إلى زيادة المساحات الخضراء وتقليل الانبعاثات الكربونية، وحماية التنوع الحيوي، كما تشجع هذه المبادرات على مشاركة الطلاب في أنشطة التشجير وحملات التوعية البيئية، فضلاً عن تعزيز البحث العلمي والابتكار في المجال البيئي، فرؤيتنا المباركة -لا مناص- تدعم الأبحاث العلمية المرتبطة بالبيئة وتشجع الجامعات ومراكز الأبحاث على تطوير حلول مستدامة للتحديات البيئية، ويظهر الاهتمام الأكاديمي بالبيئية من خلال توجيه الطلاب نحو تخصصات مثل الهندسة البيئية وإدارة الموارد الطبيعية وغيرها لمواكبة متطلبات المستقبل.
ولذلك من الأهمية بمكان وفي ظل التحديات البيئية المتزايدة التي تواجه عالمنا اليوم إدراج مقرر: (التربية البيئية)كركيزة أساسية في مناهج التعليم العام لبناء جيل واع.. قادر على مواجهة هذه الأزمات، وعلى فهم التحديات البيئية مثل مظاهر التلوث وندرة المياه والتغيّر المناخي.. والعمل على تحويل المدارس إلى بيئات مستدامة من خلال ترشيد استهلاك الطاقة، واستخدام مصادر الطاقة المتجددة وتطبيق مشاريع إعادة التدوير.
ومعروف أن المدارس التي تشكِّل ثاني أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية بعد الأسرة تلعب دوراً محورياً في غرس القيم البيئية الإيجابية وتنمية اتجاهاتها التربوية والأخلاقية والحضارية لدى الطلاب مما يجعلها منارة للتوعية والممارسات المستدامة، حيث تأتي أهميتها المعيارية في تعزيز الوعي البيئي من خلال دمج مفاهيم الاستدامة وحماية البيئة في المناهج التربوية مما يجعل الطالب أكثر إدراكاً وحساً للتأثير البشري على الطبيعة، وبالتالي يتعلَّم الطلاب كيفية التعامل مع الأم الحنون (البيئة). كما يسهم وجود مقرر (التربية البيئية) في تنمية المسؤولية المجتمعية.. فهي تعلم الطلاب أن الحفاظ على البيئة ليس خياراً، بل واجباً إنسانياً وأخلاقياً، مما يعزِّز لديهم روح المبادرة والمسؤولية تجاه المجتمع والحفاظ على مكتسباته البيئية، كما أنها تشجع الممارسات الخضراء عندما تتبنى المدارس - مثل ما يحدث في بعض دول شرق آسيا مثل كوريا الجنوبية وسنغافورا واليابان التي جعلت من كل طالب (حارساً للطبيعة) وجعلت المدرسة منصة لإطلاق ثورة بيئية حقيقية- مشاريع حيوية مثل إعادة التدوير وتشجير الأفنية أو ترشيد استهلاك الطاقة وغيرها من الممارسات البيئية.. فإنها ترسخ وتؤصل عادات إيجابية تستمر مع الطلاب مدى الحياة، ويدركون في الوقت ذاته عواقب الإسراف والتلوث، فالتربية البيئية في مناهجنا ليست ترفاً فكرياً، بل ضرورة حيوية لمواجهة التحديات البيئية المتزايدة في ظل التغيّر المناخي وتدهور النظم البيئية ونقص الموارد الطبيعية... إلخ.
لذا ينبغي أن تكون التربية البيئية جزءاً أساسياً من التعليم مدعومة (بأنشطة تطبيقية) كزراعة الأشجار، وإعادة التدوير، وترشيد الاستهلاك، وتنظيم حملات نظافة وغيرها.. وهذه الأنشطة البيئية.. لا تعلم الطلاب الحفاظ على البيئية فحسب، بل تنمّي لديهم روح المبادرة والابتكار والقيادة.
وأخيراً وليس آخر.. حماية البيئة ليست خياراً، بل هي ضمان لمستقبل آمن للأجيال القادمة.