رسيني الرسيني
في كل عام تقريبًا، يزور خبراء من صندوق النقد الدولي الدولة العضو في الصندوق، لجمع البيانات وتحليلها، وإجراء مناقشات مع المسؤولين في الحكومة والبنك المركزي. وعند عودتهم، يقدّم طاقم الصندوق تقريرًا إلى المجلس التنفيذي للصندوق لمناقشته.
وتُختصر آراء المجلس بعد ذلك وتُنقل إلى سلطات الدولة المعنية. فماذا قال صندوق النقد الدولي بعد زيارته الأخيرة للمملكة؟
في قراءة البيان الصادر من الصندوق نجد تفاؤلًا ملحوظًا تجاه الأداء الاقتصادي للمملكة، وسط التحديات العالمية المستمرة والتقلبات في الأسواق الدولية، فقد رفع الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي في عام 2025 إلى 3.5 %، مقارنة بالتوقعات السابقة البالغة 3 % التي صدرت في أبريل الماضي.
الصندوق أكد في بيانه أن الاقتصاد السعودي أثبت قدرته على الصمود بقوة في مواجهة الصدمات الخارجية، وهو ما يعكس مرونة السياسات الاقتصادية والنقدية المتبعة، إلى جانب الإصلاحات المستمرة في إطار رؤية السعودية 2030. ووفقًا لتقديرات الصندوق، فإن الاقتصاد سيواصل التحسن خلال العام المقبل، مدفوعًا بالطلب المحلي القوي ومواصلة تنفيذ المشاريع الحكومية الكبرى؛ فعلى الرغم من الضبابية التي تحيط بالاقتصاد العالمي وتراجع التوقعات بشأن أسعار السلع الأساسية، يرى الصندوق أن المملكة قادرة على الحفاظ على زخم النمو بفضل إستراتيجياتها التنموية والتحفيزية.
وفي ظل تصاعد التوترات التجارية العالمية، أوضح صندوق النقد أن التأثير المباشر على الاقتصاد السعودي سيكون محدودًا. ويعود ذلك إلى أن نحو 78 % من صادرات المملكة إلى الولايات المتحدة تتكون من منتجات نفطية، وهي مستثناة من الرسوم الجمركية الأمريكية. وهذا الوضع يمنح السعودية نوعًا من الحماية من تداعيات الحروب التجارية العالمية التي قد تضر بصادرات دول أخرى، ويتيح لها الحفاظ على جزء كبير من ميزانها التجاري مستقراً نسبيًا. كما أشاد خبراء الصندوق بالدور البارز الذي يقوم به البنك المركزي السعودي (ساما) في الحفاظ على استقرار وتعزيز إدارة السيولة والأطر التنظيمية والإشرافية.
يعكس البيان الصادر من صندوق النقد الدولي النجاح المتواصل للمملكة في تنويع مصادر الدخل الوطني. ويُعزى هذا النمو إلى الاستمرار في تنفيذ مشاريع التنمية الطموحة من خلال الاستثمارات العامة والخاصة، إلى جانب النمو القوي في الإقراض المحلي، مما يعزز حركة الأسواق الداخلية ويخفف من تأثير تراجع العائدات النفطية. هذا التوجه يعكس إستراتيجية واضحة للتحول الاقتصادي بصورة تتماشى مع مستهدفات رؤية 2030، والتي تركز على تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل وتعزيز القطاعات الحيوية كالسياحة، والتقنية، والصناعة، والطاقة المتجددة.
حسنًا، ثم ماذا؟
مجمل ما ورد في تقرير صندوق النقد الدولي يعكس صورة إيجابية متوازنة، تشير إلى تقدم الاقتصاد السعودي بثبات على مسار التحول، مع الاستفادة من موارد النفط، والعمل في الوقت ذاته على بناء اقتصاد متنوع ومستدام.