خالد بن عبدالرحمن الذييب
هناك عدة تصنيفات للمدن تقوم بها منظمات دولية على أسس ومعايير مختلفة، فبالإضافة إلى تصنيف الإيكونومست الذي يعتبر من أشهرها في تصنيف المدن من حيث القابلية للعيش يوجد تصانيف ومعايير تقوم على أساس القوة الاقتصادية للمدينة، ومن أهمها شبكة بحث العولمة والمدن العالمية (Globalization and World Cities GaWC) الذي يصنِّف المدن إلى أربعة تصنيفات رئيسية ألفا، بيتا، جاما، مدن الكفاءة، وتحت كل تصنيف يوجد تصنيفات فرعية، بناء على الربط والعلاقات في شبكة الاقتصاد العالمي، مركزاً على الارتباط والاندماج الاقتصادي، والتواصل التقني والجغرافي.
الملاحظ هو وجود تناسب عكسي بين القوة الاقتصادية للمدينة وقابلية العيش، وكأن المسألة لعبة شد الحبل بين متنافرين، الاقتصاد يشد من جهة والقابلية للعيش تشد من جهة أخرى. فالمدن التي نجدها تتصدر قائمة المدن الاقتصادية تكون في ترتيب متأخر في قائمة المدن القابلة العيش، فقائمة GaWC تضع لندن ونيويورك على قمة المدن الأعلى اندماجاً (ألفا++)، ونجد على سبيل المثال هونج كونج، بكين، سنغافورة، شنغهاي، ذات تقييم مرتفع في الاندماج الاقتصادي، ومع ذلك لا نجد أي مدينة منها ضمن العشر الأكثر ملاءمة للعيش حسب الإيكونومست لعام2025م.
بل إن مدناً مثل هونج كونج، وبكين، وشنغهاي غير موجودة ضمن الخمسين الأولى من المدن القابلة للعيش، بينما لندن ونيويورك في المرتبتين الـ(35) والـ(36) على التوالي، وهذا يوضح التحدي الكبير للمسؤولين عن المدن لخلق أكبر قدر من التوازن بين هذين المتنافرين.
ومع يقيني أن الموضوع يحتاج إلى دراسة متعمقة، ولكن من خلال نظرة سريعة، فبالإضافة إلى حجم المدينة السكاني والجغرافي فإن الإشكالية تعود إلى أن التصنيف المتعلق بقوة الاقتصاد يركز على عدد ومقرات الشركات العالمية، وأن تكون المدن مراكز عالمية مالية وتجارية، تجذب الاستثمارات وتوفر فرص العمل، وهذا أتى على حساب معايير قابلية العيش مثل تقليل الازدحام والتلوث وغلاء المعيشة، بعكس مدن أخرى اعتلت تصنيف الإيكونومست والتي أعطت أولوية لجودة الخدمات وجودة الحياة بشكل عام، ولكن ليس بذات التأثير الاقتصادي.
تعتبر سيدني من أكثر المدن التي استطاعت تحقيق توازن بين الأمرين فهي ضمن حزمة (ألفا+) عالية الاندماج اقتصادياً، وفي الترتيب السادس في قائمة الإيكونومست، وكذلك زيورخ التي تقع في تصنيف (ألفا-) مدينة عالمية ذات مستوى أقل ولكنها مركز مالي مهم، وفي الإيكونومست ترتيبها الثاني مع فيينا عام2025.
أخيراً...
لتتحرك المدينة تحتاج إلى اقتصاد، وليتحرك الاقتصاد يحتاج إلى ناس، وليعيش الناس يحتاجون إلى قابلية عالية للعيش.
ما بعد أخيراً...
التخطيط الناجح هو الذي يستطيع ابتكار الأدوات والتشريعات اللازمة لخلق هذا التوازن بين المتنافرين.