ناصر زيدان التميمي
في زحام الحياة وتسارع أحداثها، قد نغفل عن أحد أسمى القيم الإنسانية التي ترتقي بالعلاقات، وتُزهر القلوب، وتبني جسور الودّ بين الناس، ألا وهي قيمة الشكر. فالشكر ليس مجرد لفظٍ يُقال، بل هو انعكاس لوعي راقٍ، وأدبٍ رفيع، وتقدير صادق للجميل.
إنّ الشكرَ يعكس نقاء النفس، وعلوّ الأخلاق، وهو من دلائل الكرم والتواضع والاعتراف بالفضل. كما أن الشكر يُنمّي في الإنسان شعور الامتنان، ويدفعه لتقدير ما يملك وما يتلقّى، فلا يعيش في غفلة عن النِّعم، ولا يستخفّ بجميل الآخرين.
وقد أولى ديننا الحنيف هذه القيمة مكانة عظيمة، فجعلها من موجبات رضا الله وزيادة النِّعم، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ)، فالشكر بابٌ لدوام الخير وفتح أبواب الفرج. بل وجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - شكر الناس مقياسًا لشكر الله، حين قال: «من لا يشكر الناسَ لا يشكر الله».
وللشكر صور عديدة، تبدأ بكلمة طيبة، وتصل إلى مبادرات حقيقية تحمل في طيّاتها الاعتراف بالفضل، وتقدير الجهود، والثناء على المُحسنين. وهو لا يُشترط أن يكون لمن قدّم لنا معروفًا فحسب، بل يشمل كل من بذل جهدًا، أو قدّم خيرًا، أو أسهم في نجاح، أو حتى أدّى عمله بإخلاص وأمانة.
وفي بيئات العمل، يُعدّ الشكر ثقافة مؤسسية راقية، تُعزز الانتماء، وترفع الروح المعنوية، وتُشجع على مزيد من العطاء. فالموظف الذي يُقدَّر عمله ويُشكر عليه، يشعر بقيمته، ويتضاعف إخلاصه.
إنّ زرع ثقافة الشكر في الأُسر، والمؤسسات، والمجتمعات، هو مفتاح لنفوس مطمئنة، وقلوب محبة، وأواصر متينة. فلنُعوّد أنفسنا على الامتنان، ولنجعل من الشكر سلوكًا يوميًا، لا انتظارًا لمناسبة أو ردّ جميل.
وفي الختام، فإن الشكر لا يُكلّف شيئًا، لكنه يصنع فرقًا لا يُقدّر بثمن.