د. محمد بن إبراهيم الملحم
ونحن في ذروة الصيف فلا شك أننا أيضاً في ذروة السفر، فكثير من العائلات تسافر في هذه الفترة للهروب من حر الصيف من جهة وللترويح عن الأبناء الذين أمضوا وقتهم طوال سنة كاملة في الدراسة والاستذكار وحل الواجبات، وتكون السفرة إلى مكان جميل للترويح عن النفس مكافأة جميلة لهم.. وما أتحدث عنه اليوم هو كيف يمكن أن يكون هذا السفر وسيلة لتعلم الحياة، فلا شك أن السفر يحمل كثيراً من المضامين المعرفية والمهارية التي يمكن أن يستفيد منها جميع أفراد العائلة وأهم هؤلاء هم الطلاب الشباب، فكثيراً ما نجد ولي الأمر (وربما ولية الأمر) يقوم أحدهم بالترتيب لأعمال السفر كاملة سواء من إجراء الحجوزات أو البحث عن الأماكن المناسبة للذهاب إليها في تلك البلاد، أو حتى التعرف على بعض المعلومات المهمة التي يحتاج إليها زائر البلد، بينما يمكن أن يجعل أولاده وبناته يشاركون في هذه المهمة فيتعلمون كثيراً من المهارات والمعارف المهمة التي لاشك أنهم سيحتاجونها في يوم من الأيام.
تكون مشاركة الأبناء في هذه الأمور منذ التخطيط للسفرة، فيكلف أحدهم مثلاً بالبحث عن معلومات حول ما هي المتطلبات والشروط اللازمة لزيارة هذا البلد، هل يتطلب وجود فيزا وهل يتطلب لقاحاً صحياً وما هي التدابير اللازمة لكل من يفكر أن يزور هذا البلد بتجهيزها معه: فمثلاً إذا كان سيستأجر سيارة هناك فهل يحتاج إلى رخصة دولية أم تكفي الرخصة السعودية؟ وعلى غرار مثل هذه التساؤلات تسير أبحاث الطالب للحصول على إجابات يقدمها لوالده أو والدته أثناء التخطيط للسفر. ومن جهة أخرى فإنه يمكن أيضاً تكليف أحدهم بعمل بحث كامل عن عادات وتقاليد أهل هذه البلد وكيف يمكن التعايش معهم وما هو المسموح وما هو المحظور؟ وما هي أهم العادات الشعبية لديهم؟ وما المناسبات المحلية التي يمكن أن تكون متزامنة مع فترة سفرهم لكي يحضروها ويتعرفوا على ثقافة هذا البلد. كما يمكن أيضاً أن يكلف أحدهم بالبحث عن أهم منتجات هذا البلد الغذائية وخاصة تلك التي قد يطمح السائح أن يشتري منها ويأخذها معه إلى بلده مثل العسل أو القهوة أو الشاي أو أي من هذه المنتجات التي عادة يشتريها الناس، فيتعرف الطالب على أفضل المصادر للحصول على هذه الأشياء وكيف يمكن أن يتجنب الغش، ولا شك أن كثيراً من هذه المعلومات باتت متوافرة على الإنترنت، سواء باللغة العربية أو اللغة الإنجليزية أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو الفيديوهات المسجلة (فلوقات)، كما يمكن أن يكلف أيضاً أحد الأبناء بالبحث عن أفضل المطاعم التي يمكن الذهاب إليها وعمل قائمة بها بحسب برنامج حركة الأسرة في تلك البلد وتنقلها مثلاً من مدينة إلى أخرى، وإذا كانت البلاد ليست إسلامية فيبحث عن المطاعم الحلال وكيف يمكن الوصول إليها، وهنا يمكن لأحد الوالدين أن يشرح لأبنائه كيف أن هناك منظمات إسلامية تقدم معلومات عن الأكل الحلال عبر العالم وقد عملت تطبيقات ومواقع إنترنت خاصة بذلك، فيمكن أن تتم مساعدة الأبناء بتعريفهم على أحد هذه المواقع كمثال (التعليم بالمثال) ويتولى الطالب التعرف على مواقع أخرى وخدمات مشابهة ثم جلب المعلومات اللازمة لسفرة هذه العائلة تحديداً.
كما أنه من المفيد جداً أن يتم تكليف أحدهم أيضاً بالبحث عن الجانب التاريخي لهذه البلاد وكيف تطورت ونمت خاصة في العهد المعاصر حيث يشهد نهضة هذه البلاد عندما يزورها ويتعرف على أهم ملامحها ليقارن ما يشاهده اليوم بما درسه عنها في تاريخها؛ مما يقدم للأولاد فكرة ممتازة جداً عن كيفية نهضة الأمم وتطورها، فعلى سبيل المثال عندما تسافر الأسرة إلى سنغافورة سيجد الطالب الصور القديمة التاريخية لهذه البلاد متمثلة في جزيرة ليس بها سوى صيادين وفلاحين وبيوت بسيطة، وها هي اليوم قفزت قفزة كبيرة إلى أبراج ومجمعات وأسواق حضارية وتكنولوجيا متقدمة، وهو ما يقدح تساؤلاً لدى الطالب لماذا قفزت هذه البلاد وكيف حدث ذلك؟ فيبحث أيضاً في تاريخ تطورها وسر نهضتها ليجده متمثلاً في التعليم والتعليم الفني تحديداً.
إن السفر بهذه الطريقة يقدم للطلاب وجبة معلوماتية رائعة جداً ومهارات متقدمة يحتاجونها في قادم أيامهم عندما يكبرون فلا يكون السفر مجرد متعة قدمت لهم بخدمات متفردة من والديهم دون أن يساهموا هم بأي شيء! فتكون السفرة مجرد متعة وأكل ونوم ليعودوا وهم كسالى إلى العام الدراسي، بينما عند مشاركتهم في صناعة هذا السفر فإنه يأخذ طعماً مختلفاً وتكون له قيمة تواصل قيمتهم الدراسية التي حققوها أثناء الدراسة.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً