د.محمد بن عبدالرحمن البشر
أحداث سوريا الحالية تجعل الإنسان يذهب بعيداً ليقلب بعضاً من صفحات الماضي قبل أن يتحدث عن الوضع الحالي، فقد كان الشام بحق مهد الحضارة الإنسانية، ومنطلق انتقاله من مرحلة إلى أخرى، فبعد انحسار الفترة الجليدية التي بدأت قبل عشرين ألف سنة تقريباً ووصوله قبل عشرة آلاف عام إلى مرحلة ظهر معاً انقشاعه في كثير من مناطق نصف الكرة الأرضية الشمالي، كان الإنسان في سوريا أول من فكر في بديل عن اعتماده على الالتقاط أي التقاط ما يسقط من الأشجار، وصيد الحيوانات البرية إلى الاستقرار، والتفكير في مصدر غذاء يتحكم فيه، وقد اهتدى الإنسان السوري أو الشامي بشكل عام إلى الزراعة وتدجين الحيوانات البرية، فكان ذلك قفزة هائلة في الحياة البشرية، حيث بدأ الاستقرار وبناء الأعشاش ثم تطور إلى بناء القرى ثم المدن، ولم يكتب لنا التاريخ شيئاً عن مراحل التطور الحضاري في تلك المرحلة، لكننا نعرف عن بعض من التغيرات البيئية ومراحلها مثل انحسار الجليد، وزيادة الأمطار ثم بداية انحسارها حتى وصلنا إلى التصحر، وتكوين الصحاري، مثل الصحراء الكبرى، والذي حدث قبل ستة آلاف عام. وكان الشام جزءاً أساسياً من التأثر والتأقلم مع هذه التغيرات لأن الإنسان في تلك البلاد قادر على التفكير والإبداع.
سارت الأمور وبدأت كتابة التاريخ في الألف الرابع قبل الميلاد، فسجل لنا الكثير عن الأحداث في سوريا التي سكنها الكنعانيون ومن قبلهم من الساميين، والقول بأسماء أبناء نوح سام وحام ويافث تم أخذها من أساطير سجلت في بعض صفحات الكتاب القديم الذي بدأت كتابته نحو أربعمائة قبل الميلاد، وكانت سوريا مسرحاً لأطماع جيرانها فغزاها الحيثيون القادمون من هضبة الأناضول، والبابليون، والآشوريون، والفرس، والمصريون، وسكان الجزر اليونانية.
كما غزاها الرومان، وبنوا حضارة رائعة مازالت آثارها باقية، والبيزنطيون بثقافتهم وأفكارهم، ثم جاء الفتح الإسلامي فتغير وجه سوريا، وأصبحت منبراً للعلم والثقافة، وانطلقت الفتوحات الإسلامية منها إلى مناطق جديدة بعيدة، ووصل الإسلام إلى الصين، ومناطق بعيدة في الهند وباكستان، وامتد الفتح إلى شمال أفريقيا، فكان حدثاً غيَّر وجه التاريخ، انطلاقاً من سوريا.
في الفترة الاستعمارية الحديثة في القرن الماضي لم يكن هناك تطور يذكر، وبعدها تعرضت سوريا لأحداث جسام انتهت إلى أن سيطرت إسرائيل على هضبة الجولان، وتولي حافظ الأسد الحكم، ومن بعده ابنه بشار، فتعرض شعبها للكثير من المآسي والآلام، ثم جاءت الحكومة الجديدة، وحاولت تجنب الحروب والصدام، وإسرائيل تحاول أن تجرها للحرب، لكن كان لديها من الصبر ما ساعدهم على تجنبها حتى الآن، غير أن إسرائيل لم تتوقف أبداً، وحركت شريحة من مكونات الشعب السوري العزيز زاعمة أنها مسؤولة عنه دون مبرر منطقي أو قانوني أو عقلي، وتتحدث عن النواحي الإنسانية في سوريا، والعالم يرى ويسمع ما تفعله في غزة من قتل ودمار وتجويع، وهناك مشكلة أخرى لدى الحكومة مع قسد، والحكومة السورية تحاول حصر السلاح بيدها، لكن قسد تتمنع، والجميع يعلم أن ما يحدث في الجنوب أو الشمال يمكن إيقافه بأمر حازم من جهة معينة وفاعلة على المستوى العالمي، داعين الله أن يحفظ سوريا وشعبها ويمنحها الأمن والاستقرار.