إعداد - عبدالله عبدالرحمن الخفاجي:
تلعب المعارض التشكيلية الجماعية دورًا محوريًا في تعزيز الثقافة البصرية وتوسيع آفاق الإبداع، حيث تشكل مساحة نابضة لتبادل الخبرات والتجارب بين الفنانين، ونافذة للجمهور لاكتشاف تنوع الأساليب والرؤى الفنية، ما يسهم بدوره في الارتقاء بالذائقة الفنية وتحسين جودة الحياة من خلال التفاعل مع الفنون. فهي لا تُقدَّم فقط كأعمال جمالية، بل كحكايات تحمل في طياتها قيماً وتفاصيل إنسانية وثقافية تتجاوز الزمان والمكان.
وفي هذا السياق، أعلن معهد مسك للفنون، التابع لمؤسسة محمد بن سلمان «مسك»، عن انطلاق النسخة الثالثة من معرض «صالة الأمير فيصل بن فهد للفنون: صيف 2025» وذلك خلال الفترة من 27 يوليو إلى 25 سبتمبر 2025. ويجمع المعرض هذا العام 43 فناناً سعودياً ومقيماً، قدّموا أعمالاً متنوعة تجسّد حواراً فنياً وإنسانياً بين أجيال مختلفة، وتستعرض تحولات الهوية الفردية والجماعية عبر الزمن.
يضم المعرض أكثر من 50 عملًا فنياً تعكس مزيجاً من الرؤى والممارسات والأساليب المتباينة لفنانين ينتمون إلى أجيال مختلفة، ما يعكس الحراك الديناميكي في المشهد التشكيلي السعودي. ويركز المفهوم الفني للمعرض على تشكل الهويات الشخصية وتشابكها مع الهويات الجماعية المتطورة، وعلى الكيفية التي يُسهم بها هذا التداخل في إحداث التحولات الاجتماعية.
ينطلق المعرض من حوائط السرديات والقيم والتجارب المعيشية واللغة المحكية التي تنتقل عبر العائلات والمجتمعات، متتبعاً أثرها عبر الزمن، مما يمنح كل عمل بعداً وجدانيًا مرتبطًا بالهوية والذاكرة.
تتنوع الأعمال الفنية المعروضة بين الرسم، والتصوير الفوتوغرافي، والفن التركيبي، والفنون الأدائية، والفن متعدد الوسائط، ما يعكس غنى المشهد الفني في المملكة وتطوره نحو تعبيرات معاصرة متجددة. ويتميّز المعرض هذا العام بمزج الوسائط الفنية التقليدية مع العناصر الرقمية الحديثة، وتقديم تجارب تفاعلية تتيح للزوار التفاعل المباشر مع الأعمال الفنية، مما يخلق تجربة حسية فريدة تعزز الارتباط العاطفي بالجماليات المعروضة، وتحفّز التأمل والتفاعل العميق مع الرسائل التي تحملها الأعمال.
ويجسّد هذا المزج بين الأساليب التقليدية والحديثة تناغماً فنياً مميزاً، حيث تتدرج الأعمال من الواقعية الكلاسيكية إلى مدارس الانطباعية والسريالية والتجريدية، وصولاً إلى الفن المفاهيمي، والفيديو آرت، والفنون الرقمية التفاعلية. وقد أظهر الفنانون قدرة عالية على التعبير عن أفكارهم بأساليب فنية ترتكز على تجاربهم الخاصة وتستحضر ذكرياتهم ومشاعرهم، ليصبح كل عمل بمثابة مرآة تعكس جزءًا من هوية الفنان وتفاعله مع محيطه الاجتماعي والثقافي.
وقد صرّحت بسمة الشثري، المدير العام لإدارة التقييم الفني وكبير القيمين الفنيين في معهد «مسك للفنون»، بأن هذا المعرض يُجسد استراتيجية المعهد الرامية إلى تمكين الفنانين، ودعم الممارسات الإبداعية المحلية، وتعزيز الحوار بين الأجيال من خلال الفنون. وأضافت أن المعرض يمثل منصة لعرض تحولات المجتمع السعودي من زوايا فنية عميقة، ويسهم في تحفيز الطاقات الشابة، وإبراز تعدد الهويات الثقافية داخل المجتمع.
يأتي هذا المعرض امتداداً للدور الحيوي الذي يقوم به معهد مسك للفنون في رعاية وتمكين الفنانين في المملكة، حيث يعمل على بناء بيئة إبداعية متكاملة تدعم مسيرة الفنان منذ بداياته وحتى وصوله إلى المنصات المحلية والدولية.
ومن أبرز البرامج والمبادرات التي يقدمها المعهد:
* برنامج الإقامة الفنية، الذي يتيح للفنانين العمل في بيئات ملهمة وتفاعلية، داخل المملكة وخارجها، للتفرغ لإنتاج أعمال فنية جديدة وتوسيع شبكاتهم المهنية.
* برنامج المعارض، الذي يوفّر للفنانين فرصاً لعرض أعمالهم أمام جمهور محلي وعالمي، ضمن معارض فردية وجماعية.
* برامج التعليم والتدريب الفني، والتي تشمل ورش عمل، ودورات متخصصة، ومحاضرات تهدف إلى تطوير المهارات الفنية والنقدية لدى الفنانين والمهتمين بالفن.
* مبادرات النشر والتوثيق، التي تسهم في أرشفة وتوثيق الحركة الفنية المحلية، وإصدار كتب ومنشورات تعرّف بالفنانين وأعمالهم.
* برامج الدعم المالي والفني، مثل المنح والمسابقات المفتوحة التي تستهدف دعم مشاريع فنية مبتكرة.
وكل هذه البرامج تأتي ضمن رؤية المعهد لإتاحة الفن للجميع، والارتقاء بالوعي الجمالي في المجتمع، وتحفيز الإنتاج الفني المحلي على أسس مهنية ومستدامة.
إن النهضة الثقافية والفنية التي تعيشها المملكة العربية السعودية اليوم لم تكن لتتحقق لولا الرؤية الطموحة والدعم السخي الذي تحظى به القطاعات الإبداعية من القيادة الرشيدة، ممثلةً بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز - حفظهما الله - حيث شكّلت رؤيتهما المستقبلية حجر الأساس لمرحلة جديدة من الازدهار الثقافي في المملكة، قائمة على تمكين الإبداع، وصون التراث، والانفتاح على العالم.
لقد أصبحت الفنون التشكيلية اليوم في السعودية جزءًا من النسيج التنموي والاجتماعي، ولم تعد حكرًا على النخب، بل أصبحت وسيلة للتعبير والوعي والتغيير، ورافدًا حيويًا يعكس هوية الوطن وثراءه الثقافي. ومع ما نشهده من تحولات ثقافية كبرى ومبادرات نوعية تقودها مؤسسات مثل معهد مسك للفنون، فإن المملكة تمضي بخطى واثقة نحو ترسيخ مكانتها كمنارة للفنون والثقافة في المنطقة والعالم.
** **
تويتر: AL_KHAFAJII