د. ناهد باشطح
فاصلة:
«ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه» - حديث شريف -
*****
أكتب يومياتي من قلب الغربة، حيث الأشياء الصغيرة تصنع المعنى.
والروتين الجديد يصبح حياة جديدة
المشي في الشوارع القديمة التي لا تعرفني، مراقبة السماء وسير السحاب والغيوم، كل هذا ليس تكرارًا. إنه تدريب ناعم على أن أكون حاضرة، أن أتنفس، أن أسمع صوتي الداخلي.
عندما تعيش في المدن البريطانية لابد أن تلاحظ أن عبارات مثل «من فضلك» أو «أنا أسف» تتردد كثيرًا فالبريطانيين حريصون على إشاعة اللطف بينهم.
في الأسبوع الماضي شعرت باللطف ينتشر مثل عطر فواح.
بدأت القصة حين كنت في «غرفة الشاي» كما هو مسماها ضمن السكن الذي أعيشه وهي من (غرفتين) مخصصة لضيوف سكان العمارة.
وكعادتي وصديقاتي نرتادها أسبوعيًا ولا سيما وإطلالتها جميلة وهادئة
لكنني في ذلك المساء لمحت سيدة تحتفل بعيد زواجها مع زوجها وأقربائها في الغرفة المجاورة.
اقتربت مني وسألتني إذا كان صوت الموسيقى المنبعث من عندهم يزعجنا فأجبتها مبتسمة بالنفي، لكني لاحظت أنها لم تكن مرتاحة..
بعينٍ أنثوية، وبحسّ من عاركته الحياة كثيرًا، قلت لها: «ربما المكان ضيق فضيوفك الليلة كثر، سوف نترك المكان لأجل أن تشعري وضيوفك بالراحة إنها ليلتك». لمعت عيناها وشكرتني، ثم غادرنا الغرفة بهدوء.
لم أكن أتوقع شيئًا، لكن عند عودتي إلى شقتي.. وجدتها تنتظرني أمام الباب، تمدّ لي باقة ورد، مزينة بعبارة «شكرًا لأنك فهمتيني دون أن أتكلم».
ربما لم تكن مانشستر التي قدّمت لي هذا المشهد، بل الإنسان الذي يسكنها.
هذا اللطف الذي يجعل جاري يلقي علي التحية وهو لا يعرفني، هو اللطف الذي يجعل حارس الأمن يرحب بي كلما عدت من الرياض وكذلك يتمنى لي رحلة سعيدة كلما غادرت مانشستر، هو نفسه اللطف الذي يجعل الناس تقصدني لأساعدهم تارة ويساعدوني بأبسط التفاصيل.
يُعد اللطف من القيم الإنسانية العميقة التي لا تقتصر آثارها على الآخرين فحسب، بل تنعكس على صحة الفرد النفسية والجسدية. وتُظهر العديد من الدراسات العلمية أن ممارسة أفعال اللطف اليومية تُعزّز الرفاهية وتُقلّص القلق وتُقوّي الترابط الاجتماعي.
في مقالة حديثة لـ(Maureen Salamon،) بعنوان «القوة العلاجية للطف.. اللطف ليس مُرضيًا فحسب، بل هو طريقٌ نحو صحةٍ أفضل».
تحدثت عن (Vander Weele) أستاذ علم الأوبئة والمدير المُشارك لمبادرة الصحة والروحانية والدين في كلية هارفارد تي إتش تشان للصحة العامة الذي يُخصص في كل عام ستة أسابيع للقيام بأعمالٍ للآخرين قد تبدو عادةً مُزعجة مثل إهداء صديق هديةً غير متوقعة، أو دعوة أحدهم لتناول القهوة، أو يُخصص وقتًا في العمل لدعم زميل.
وقد أشارت دراسة دولية نُشرت عبر الإنترنت في 19 أغسطس 2024، من قِبل الطب النفسي الاجتماعي وعلم الأوبئة النفسية، إلى أن اللطف يُقلل أيضًا من العزلة الاجتماعية والوحدة، وهناك أبحاث متزايدة تُشير إلى أن أجسامنا تستفيد أيضًا، حيث يرتبط اللطف بانخفاض ضغط الدم ومستويات هرمون التوتر الكورتيزول.
وعززت دراسة أجريت عام 2019م هذا المفهوم، حيث وجدت أن القيام بالأعمال الطيبة يوميًا لمدة سبعة أيام قد يعزز السعادة.
شملت الدراسة، المنشورة في مجلة علم النفس الاجتماعي، ما يقرب من 700 شخص (متوسط أعمارهم 37 عامًا، 88 % منهم نساء).
الجميع يعتقد أنه لطيف بقدر ما، فنحن بطبيعتنا كائنات اجتماعية، لكن الوراثة والمزاج يلعبان دورًا، لذلك بعض الناس يبدون أكثر ميلًا إلى اللطف من غيرهم، ويبادرون بالأعمال الطيبة أكثر من غيرهم..
هؤلاء يدركون معنى اللطف حين يشمل تفاصيل حياتهم ويزينها بشعور دافئ لا ينتهي.
** **
المصادر
-Salamon, M. (2025, April 1). The healing power of kindness: Being kind isn»t just gratifying - it»s a path to greater well-being. Harvard Women»s Health Watch. https://www.health.harvard.edu/blog/the-healing-power-of-kindness-20250401