فيصل الحمود المالك الصباح
قال تعالى:
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} (60) سورة الروم
في وجه الظلم والعدوان الغادر، كان الصبر والصمود السلاح الحقيقي الذي تمسك به الشعب الكويتي وقيادته الرشيدة، مستمدين عزيمتهم من وعد الله الحق بالانتصار والعدل لم يلينوا ولم يستسلموا، بل ظلوا متمسكين بإيمان راسخ بأن الظلم مهما طال لن يدوم، وأن النصر قادم لا محالة.
في يوم 2 أغسطس من عام 1990، امتدت يد الظلم لتغدر بدرة الخليج، الكويت الحبيبة، في لحظة حاول فيها النظام البائد أن يُسكت صوت السلام، ويطفئ نور الحضارة، ويكسر عزيمة وطنٍ لا تنحني. لم يكن ذلك العدوان مجرّد اجتياحٍ لأرض، بل كان محاولة يائسة للنيل من وطنٍ بناه أهله بالإيمان والوفاء، وطنٌ صغيرٌ في مساحته، كبيرٌ في مكانته، عزيزٌ بأهله الذين جسّدوا معنى الكرامة والولاء، ورمزٌ للشرعية والسيادة، ونموذجٌ للتماسك والإرادة.
لقد شاء الله أن يُمتحن الشعب الكويتي في أعز ما يملك، فثبت، وصبر، وصمد رجالا ونساء، صغارا وكبارا، كلهم حملوا مسؤولية الوطن في قلوبهم، وواجهوا المحنة بإيمان راسخ لا يتزعزع، فكانوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد..»، وضربوا أروع الأمثال في الالتفاف حول القيادة الحكيمة، والتماسك والتلاحم كيدٍ واحدة، في وجه عدو غاشم غادر.
لم يكن الغزو الغاشم مجرد تحدٍ سياسي عابر، بل كان محكًا أخلاقيًا وإنسانيًا عميقًا، أظهر معدن الرجال الأبطال، وكشف عن زيف الأقنعة، وميّز بين من وقف بثباتٍ مع الحق، ومن تخلّى عن مبادئه بالصمت أو الخيانة. ولن تغيب عن ذاكرتنا مواقف الإخوة والأصدقاء الأوفياء من الدول الشقيقة والصديقة، الذين شاركوا الكويتيين حمل هم الوطن، وساهموا بكل إخلاص وتفانٍ في استعادة الحق والكرامة.
ولا يمكن أن يُنسى الموقف التاريخي للشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- الذي أكد منذ اللحظة الأولى للعدوان أن أمن الكويت هو من أمن المملكة، وقال كلمته المشهودة يا تبقي الكويت والسعودية أو تذهب الكويت والسعودية معا في موقفٍ يجسّد أسمى معاني الأخوة والوفاء والمصير المشترك.
إننا في هذا اليوم، لا نسترجع الألم لنبكيه، بل لنستلهم منه الدروس ونستذكر شهداءنا الأبرار، الذين ضحوا بأرواحهم من أجل أن تبقى الكويت حرّةً أبيّة، ونترحم على من غابوا عنا جسدًا، لكن أرواحهم باقية في وجدان الوطن.
رسالتي اليوم إلى الجيل الجديد: اعرفوا تاريخكم، واحفظوا وطنكم، فالوطن ليس فقط أرضًا نعيش عليها، بل شرفٌ وأمانة نحملها في رقابنا، حافظوا على وحدتكم، وكونوا دائماً كما كان آباؤكم يوم المحنة، أوفياء للأرض، متمسكين بالدين، معتزين بالهوية.
اللهم احفظ الكويت وقيادتها وشعبها، وأدم عليها نعمة الأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، واجعلها دائمًا أرض سلام، ودار كرامة، ومنارة خير للعالمين.