د. رانيا القرعاوي
في زمن الأزمات الغذائية العالمية، لا يكفي أن نحقق الاكتفاء الذاتي، بل يجب أن نعرف كيف نرويه ونشرحه.
في المؤتمر الصحفي الحكومي الأخير، تم تسليط الضوء على قصة التحول التي شهدتها المملكة، وكيف استهدفت رؤية 2030 تمكين الإنسان على كافة المستويات. وخلال المؤتمر أعلن معالي وزير البيئة والمياه والزراعة المهندس عبد الرحمن الفضلي أن المملكة نجحت في رفع نسبة الاكتفاء الذاتي إلى (100 %) في العديد من المنتجات، مثل التمور، والحليب الطازج، وبيض المائدة، كما تراوحت النسبة بين (70 % إلى 100 %) في الخضراوات، وأكثر من (70 %) في لحوم الدواجن.
ورغم أهمية هذا الإنجاز، خاصة في ظل أخبار المجاعة التي تعصف بغزة، إلا أن الخبر تم تناوله في وسائل الإعلام بوصفه بيانًا روتينيًا، وكأن الهدف هو نقل المعلومة، لا تحليلها. لم تُطرح الأسئلة الكبرى: ما الذي يعنيه هذا الاكتفاء للمواطن؟ هل سيساهم في خفض الأسعار؟ كيف يمكن ترجمته إلى فرص عمل؟ وكيف يؤهلنا لتفادي الأزمات المستقبلية لم نرَ فيلمًا وثائقيًا، ولا تقريرًا إنسانيًا عن مزارع غيّر حياته بدعم الدولة، ولا قصة أُسر انتقلت من الاستهلاك إلى الإنتاج. كما لم يُستضف خبير اقتصادي يشرح للمواطن لماذا هذا التحوّل جوهري في بنية الأمن الغذائي للمملكة.
هناك مقولة شهيرة لفريدريش نيتشه تقول: «ما لا يتم شرحه، لا يمكن للجمهور أن يدرك أهميته»، وهي مقولة تتسق تمامًا مع نظرية الأطر الإعلامية، والتي تفيد بأن الإعلام لا ينقل الوقائع فحسب، بل يصوغ كيف تُفهم.
وسائل الإعلام بحاجة إلى أن تُخاطب المواطن بلغة مفهومة، وأن تربط الإنجازات بحياته اليومية ومستقبل غذائه، وشعوره بالأمان. فتقديم الأرقام دون سياق يجعل الرسالة عابرة. يقول توماس غريبر، أستاذ مساعد في إدارة الأعمال في كلية هارفارد، إن المعلومات تُصبح أكثر قابلية للتذكر عندما تكون ضمن قصة، لا كإحصائية وحقيقة فقط. بل تؤكد دراسة أن المعلومة عندما تُروى ضمن قصة تكون أكثر تذكرًا بما يصل إلى 22 مرة مقارنة بتقديمها كمعلومة مجردة.
ليس كافيًا أن نحقق الاكتفاء، بل علينا أن نروي قصته، فحين تُختزل المنجزات في بيانات صحفية باهتة، فإننا نخسر فرصًا ذهبية لتعزيز الثقة، وبناء وعي جمعي يشعر كل مواطن بالمجهودات التي تبذلها المؤسسة والوزارة لتحقيق أهداف رؤية 2030 والوصول لمجتمع حيوي واقتصاد مزدهر.