د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
صدر تقرير عن منظمة أوبك حول توقعات النفط العالمية طويلة الأجل أكد التقرير أن الطلب العالمي على الطاقة الأولية سيرتفع بنسبة 23 في المائة من 308 ملايين برميل مكافئ يوميا في 2024 إلى نحو 378 مليونا بحلول 2050، وسيحتل النفط والغاز مركز الثقل في معادلة الطاقة الدولية.
ستتباين ملامح مزيج الطاقة العالمي بين الاقتصادات المتقدمة والناشئة، الأولى ستتجه أكثر نحو مزيج طاقة أكثر نظافة وانخفاضا في الاعتماد على الفحم والنفط، بينما تسير بقية الاقتصادات العالمية وهي الأغلب في مسارات تجمع بين الحاجة إلى للنمو وضمان الإمدادات، رغم ذلك سيظل النفط يحتفظ بالصدارة في مزيج الطاقة العالمي بحصة تقارب 30 في المائة أي يرتفع الطلب على النفط من 94.3 مليون برميل مكافئ يوميا في 2024 إلى 112.4 مليون برميل مكافئ يوميا، بينما سينمو الطلب على الغاز من 70 مليون برميل مكافئ يوميا إلى 89.7 مليونا، مقابل تراجع حصة الفحم من 82 مليون برميل مكافئ يوميا في 2024 إلى 51.4 مليونا، وعلى العكس سترتفع حصة الطاقة النووية من 14.9 مليون برميل مكافئ يوميا في 2024 إلى 25 مليونا.
ومن المحتمل أن ترتفع حصة الطاقة المتجددة بمختلف أشكالها بمزيج الطاقة العالمي من 15.4 في المائة في 2024 إلى 26.3 في المائة بحلول 2050، وسيقود هذا النمو الطاقة الشمسية وطاقة الرياح سترتفع حصتهما من 3.5 في المائة إلى 13.5 في المائة، بينما نصيب الكتلة الحيوية والطاقة الكهرومائية محدود وستصل حصتهما إلى 9.7 في المائة و 3.1 في المائة على التوالي، مقابل إجمالي حصة النفط والغاز بنحو 50 في المائة.
تركزت الطاقة المتجددة في مناطق محدودة منها الصين وأمريكا وأوروبا، أما بقية الدول تعاني من ضعف التمويل ومخاطر الاستثمار وقيود البنية التحتية، ما يعني أن الدول النامية والناشئة هي من تقود النمو في الطلب على الطاقة في 2050.
تواجه الصناعة النفطية بحلول عام 2050 الموعد الذي اتفقت عليه الدول الغربية لتصفير الانبعاثات، وإيقاف الاعتماد الواسع على النفط في الاقتصاد العالمي، وهي رؤية تتعارض مع رؤية أوبك، خصوصا وأن السعودية تبنت رؤية إعادة إدارة الكربون، وبدأت تطبيقها في السعودية لخفض انبعاثات الكربون، بل تتجه السعودية نحو إصدار وقود خالٍ من الانبعاثات.
هذا ما جعل منظمة أوبك لا تكتفي بالدراسات والأبحاث التي تصدر عن وكالة الطاقة الدولية، بل لديها مركز أبحاث لإصدار رؤية شمولية ومتوازنة لصناعة النفط المستقبلية بدلا من الاعتماد على المعلومات الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية، من أجل ضمان استقرار سوق الطاقة، وفي نفس الوقت تبديد منظمة أوبك عدم اليقين المحيط بالاقتصاد العالمي خصوصا مع قرب الفترة الزمنية بسنة تصفير الانبعاثات.
ينظر مركز الأبحاث بأوبك نحو المدى البعيد، خصوصا بعد الدعوة إلى تهميش دور النفط باعتبارها وجهة نظر غير واقعية، رغم ذلك فهي وجهة نظر عالمية هيمنت على سوق الطاقة، لكن منظمة أوبك بقيادة السعودية واجهت وجهة النظر هذه بنظرة واقعية في أن الطاقة المتجددة والنظيفة ما زالت في مناطق محدودة من العالم وغير منتشرة، وما زالت نسبتها من مزيج الطاقة العالمي محدودة، وتواجه تحديات أبرزها ضالة إمكانية التخزين لم تتم معالجته حتى الآن بشكل كاف، ولا يمكن أن تحل محل الوقود التقليدي في 2050 وهي فترة زمنية محدودة وليست طويلة.
تقرير منظمة أوبك يوضح أن الاعتماد على النفط والغاز سيظل محوريا لضمان أمن الطاقة العالمي، مع توقع أن تشكل مصادر الطاقة الأحفوري أكثر من 50 في المائة من مزيج الطاقة العالمي في 2050، مما يشير إلى استمرارية دور النفط والغاز بقوة في المستقبل، أي من أجل تلبية هذا الطلب سيحتاج قطاع النفط وحده إلى استثمارات هائلة تصل إلى 17.4 تريليون دولار حتى 2050 بحسب التقرير، خصوصا أنه من المتوقع أن يتضاعف حجم الاقتصاد العالمي من 165 تريليون دولار في 2023 إلى 358 تريليون دولار في عام 2050.
اتجه العالم إلى العودة إلى سياسات أمن الطاقة وفق سياسات منظمة أوبك بقيادة السعودية إثر نشوب حرب أوكرانيا، كما واجهت مرحلة تحول الطاقة إلى استعمال سياسات طاقوية تخفض من الاحتباس الحراري، لكي يستطيع العالم تحقيق تصفير الانبعاثات بحلول 2050 والحد من زيادة معدل درجة الحرارة عن 1.5 درجة مئوية سنويا، إلى جانب واجهت سلع الطاقات المستدامة تحديات لعدم توفر الإمدادات الوافية من المعادن النادرة والاضطرابات في سلسلة الإمدادات، مع فشل الدول الغنية في تعويض الدول المتضررة من نكبات تقلبات المناخ وفق اتفاق كوب 27 في شرم الشيخ وكذلك في كوب 28 في الإمارات 2023، وكوب 29 في باكو في أذربيجان 2024.
من اللافت للنظر التباين في التوقعات المستقبلية يعزى السبب في الخلافات إلى الفرضيات المستعملة: تجارب النمو الاقتصادي الماضية، والسياسات المناخية المتعددة، وأداء تقنيات الطاقة المستدامة، والاستثمارات المتوقعة في بدائل الطاقة.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة ام القرى سابقا