د. سطام بن عبدالله آل سعد
تُعد الحملة الشاملة التي أطلقتها وزارة البلديات والإسكان وبالتعاون مع أمانة منطقة الرياض لرصد ومعالجة مخالفات تقسيم الوحدات السكنية نموذجًا عمليًا للرقابة الفاعلة والتصحيح المنهجي، وتجسيدًا حيًّا للغرض الأسمى من وجود هذه الأجهزة التنفيذية: حماية المدن من الفوضى العمرانية، وصون كرامة السكن من العبث، وضمان استدامة العيش الكريم للمجتمع على أسس عادلة ومنظمة.
لقد تسببت ظاهرة إعادة تقسيم الفلل والوحدات السكنية إلى شقق وغرف صغيرة ومعزولة، وبلا تراخيص، في أضرار طالت البنية العمرانية، والاقتصاد المحلي، وخلخلت التوازن والنسيج السكاني. فالتحايل على أنظمة البناء أرهق شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وأنتج كثافات سكانية غير مدروسة في أحياء لم تُصمَّم لتحمّل هذا الضغط، وأدى ذلك إلى تراجع جودة الحياة فيها، وتفاقم الزحام، وارتفاع معدلات التلوث البصري والصوتي، إلى جانب انخفاض مستوى الخدمات العامة.
بل إن الأمر تجاوز البنية التحتية إلى النسيج الاجتماعي ذاته؛ إذ خلقت هذه التجاوزات بيئات سكنية غير متجانسة، وفتحت المجال لظواهر سلبية، مثل الإيجارات العشوائية، والمساكن غير اللائقة التي لا تضمن السلامة ولا تحفظ كرامة الإنسان. كما أضرت بمخططات التنمية البلدية بعيدة المدى، وأخلّت بتوازن العرض والطلب في السوق العقاري، مما فاقم أزمة الإسكان بشكل غير مباشر.
الإجراءات التي اتخذتها الوزارة والأمانة عبر فرض غرامات تصل إلى 200,000 ريال، ومحاسبة كل من يشارك في هذه المخالفات - من المالك إلى المستثمر والمستأجر - تمثل رسالة إصلاحية وتنظيمية صارمة، تؤسس لمرحلة جديدة من احترام الأنظمة، وتقدير مفهوم «السكن» بوصفه حقًا إنسانيًا لا يجوز تشويهه أو الاتجار به على حساب سلامة المدن.
وفي هذا السياق، يبدو أن الوقت قد حان لإعادة تفعيل الدور الحقيقي لعمدة الحي، ذلك الدور الذي تناولته في مقال سابق نُشر بتاريخ الثلاثاء 8 يوليو 2025 بعنوان «عمدة الحي.. والتنمية المحلية»، بوصفه حلقة الوصل الأقوى بين مجتمع الحي والجهات الرسمية، والركيزة الأهم في تعزيز الرقابة المجتمعية ودعم جهود التنمية المحلية.
لذا، ينبغي أن يُعاد تشكيل دور العمدة كعين تنموية يقظة، تتابع وتُبلّغ وتبادر من موقعه القريب من تفاصيل الحي وسلوكيات سكانه. وتمكينه من أدوات رقمية للإبلاغ الفوري والتوثيق الذكي من شأنه أن يشكّل أداة استباقية فعالة لضبط أي مخالفات داخل الحي، قبل أن تتفاقم وتتحول إلى عبء بنيوي أو خلل مجتمعي.