مشعل الحارثي
غني عن القول ما تقوم به دارة الملك عبد العزيز من دور بارز كمؤسسة ثقافية وطنية سعودية منذ تأسيسها عام 1972م من أجل خدمة تاريخ المملكة العربية السعودية وتراثها وآدابها، وجمع وحفظ وتوثيق تاريخ وجغرافية الجزيرة العربية، وتاريخ الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- وأبنائه الملوك من بعده، ونشر المعرفة التاريخية للسعودية على المستويين المحلي والدولي، حتى أصبحت الدارة اليوم تعد مرجعًا أساسيًا مهماً لتاريخ البلاد لا يستغني أي باحث ودارس وأكاديمي عن الرجوع إليها لما تحتفظ به من كنوز معلوماتية ضخمة سواء المذكرات أو المخطوطات، أو الكتب المرجعية والنادرة، وكل ما جاء عن المملكة في كتب الرحالة والرحلات، أو الكتب المترجمة، أو التسجيلات السمعية والمرئية لعدد من الشخصيات وكبار السن الذين عاصروا مراحل تطور البلاد، فضلاً عن الندوات والمؤتمرات والمحاضرات وسلسلة الكتب والأبحاث والدراسات والندوات التي نظمتها وتتناول مختلف الجوانب عن نشأة المملكة العربية السعودية، وسيرة ملوكها عبر أدوارهم المختلفة.
كما يتبع الدارة عدد من المراكز المتخصصة التي أقامت عدداً من الندوات وصدر عنها بعض الكتب ومنها مركز تاريخ مكة المكرمة، المختص بجميع الوثائق والكتب المتعلقة بالعاصمة المقدسة، وكذلك مركز تاريخ البحر الأحمر وغربي المملكة العربية السعودية بجدة، ومركز تاريخ المدينة المنورة، ومركز تاريخ الطائف، ومركز الملك سلمان للترميم والمحافظة على المواد التاريخية، ومركز التاريخ الشفوي، ومركز أرشيف الصور والأفلام التاريخية، والمركز السعودي للمحتوى الرقمي (رقمن)، والمركز السعودي لنظم المعلومات الجغرافية التاريخية، والمركز الوطني للعرضة السعودية، ومركز تاريخ الخليج العربي وشرق المملكة، ومركز سارة السديري الثقافي، إضافة لمجلة الدارة الزاخرة بالحوث والدراسات العلمية الرصينة.
وكل هذه الجهود والمشاريع والمنجزات والمبادرات لم يكن لها أن تتحقق إلا بتوفيق من الله ثم بدعم ومتابعة واهتمام وتوجيهات رئيس مجلس الدارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله- وهو المؤرخ الكبير والمرجع الأول لتاريخ آل سعود وكل ما يخدم التاريخ الوطني والعربي وتاريخ الجزيرة العربية، وكافة القائمين على إدارة شؤونها من المسؤولين وكادر الأكفاء من الإداريين والفنيين والباحثين المتخصصين.
لقد لفت نظري وأنظار كل مواطن سعودي ومقيم بل والعالم وقبل أكثر من عقد من السنوات تلك الندوات الملكية الكبيرة والمعارض المصاحبة لها التي كانت تنظمها الدارة عن تاريخ ملوك المملكة والتي بدأت بتاريخ الملك سعود خلال الفترة من (5 - 7) ذي القعدة 1427هـ وشارك فيها (87) باحثاً وباحثة، ثم ندوة الملك فيصل في الفترة من (1 - 3) جمادى الأولى 1429هـ وشارك فيها (35) باحثاً وباحثة،، وندوة الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله عام 1431هـ - 2010م بمشاركة (40) باحثاً وباحثة، وندوة الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله عام 1436هـ - 2015م وضمت (28) بحثاً، وكان لهذه الندوات أصداء كبيرة وواسعة وجذبت شرائح المجتمع على مختلف طبقاته لما ضمته من معارض للصور والمقتنيات الشخصية للملوك، وعرض للإنجازات التي تمت في عهودهم وما قدموه من خدمات للدولة ولخدمة الإسلام والمسلمين والأماكن المقدسة، وما يصدر عن هذه الندوات من إصدارات متخصصة وأعداد خاصة من مجلة الدارة، إلى جانب ما يطرحه المشاركون في هذه الندوات من بحوث وإضافات تاريخية واجتماعية وعلمية موثقة، وقد سعت الدارة من جانبها لجمع هذه البحوث ونشرها في مجلدات متكاملة ليستفيد منها الباحثون والدارسون وذوو الاهتمام.
كما حققت هذه الندوات أثراً كبيراً وفاعلاً في توثيق المزيد من المعلومات والمواقف السياسية والإنجازات لهؤلاء الملوك فإننا نتمنى ونقترح على الدارة أن يتم تنشيط هذا الجانب من جديد، بعقد ندوة الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وأن تسير هذه الندوات أيضاً في خط موازٍ آخر لتتناول بالدراسة والبحث عدداً كبيراً من الشخصيات التي كان لها دور بارز ومهم وعاصرت البدايات الأولى لنهضة المملكة وكان لها بصمات ثابتة في هذه المسيرة المباركة سواء من أصحاب السمو الأمراء والمعالي الوزراء كصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- صاحب التاريخ الطويل في تقلد عدد من الحقائب الوزارية كوزارة الزراعة والمواصلات ووزارة الدفاع والطيران ومهامه المتعددة في كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والإنسانية، وكذلك شخصية الأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز -أطال الله في عمره-، ورائد الرياضة السعودية الأديب الشاعر صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الفيصل -رحمه الله- والقائمة تطول وتطول، إلا أن الأمل يحدونا في أن نرى في القريب العاجل عودة هذه الندوات بزخم ورؤية وأفكار جديدة تأخذ في اعتبارها الجانب التقني التفاعلي وتحويل السرد التاريخي إلى عالم نابض بالحياة، وصولاً لمزيد من توثيق تاريخ البلاد وتحقق تواصل الأجيال وتعزيز الوعي الثقافي لديهم بتاريخ بلادهم وملوكهم الأبرار ورجال الدولة الأخيار، وسعياً لبناء شخصية وطنية متوازنة وقادرة على التفاعل الإيجابي مع العالم.