رمضان جريدي العنزي
تصوير «الصدقات» من أبشع الأعمال، لأنه يُلبس الكرم ثوب الإهانة، ويُحول الرحمة إلى مشهد استعراضي باهت، وتباه كريه، ويقتل المعنى النبيل للعطاء، إن الفقير لا يحتاج شهوداً ولا توثيقاً على ألمه وحاله وأساه، إن الصدقة في أساسها لا تصور، بل تقدم للمحتاج كما تقدم الورود، بلطف دون جلبة ولا فلاش، ودون صوت أو صورة، فارحموا الصدقات من عدساتكم، وارحموا الفقراء من أعين الناس، فبعض الصور وإن أبهجت صاحبها، فإنها تطعن الفقير وتزرع في روحه وقلبه الحزن والأسى والانكسار، وتسكن في عينه الدمعة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}، إن إظهار الصدقة بقصد الرياء والتباهي، أو اتباعها بالمن والأذى، يبطل ثوابها، لأنها في هذه الحالة لا تكون خالصة لوجه الله تعالى، لقد دب الاستعراض وحب الظهور على مختلف أشكاله وألوانه دبيب النمل، حتى في عمل الخير وصدقة السر، لقد بالغ هؤلاء لدرجة التطرف في المباهاة والتفاخر، لقد أصبح شغلهم الشاغل الظهور بأي كيفية وبأي طريقة، إن مواقع التواصل الاجتماعي على مختلف أنواعها تنقل لنا يومياً مشاهد (هياط) متعددة أسوأها ما يتعلق بتصوير الصدقات من مبدأ «شوفوني»، أنا إنسان أعطي وأتصدق! إن قيمة الإنسان وكرمه ونبله ليست في استعراضه وهياطه وكثرة تصويره لنفسه ونشر مقاطعه وتحركاته وأفعاله وأعماله، بقدر ما هي في قيمه الدينية والأخلاقية والإنسانية السامية، إضافة لعلمه وحكمته وعمله الإنساني والخيري في السر والخفاء، رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث تحذر من الافتتان بالنفس، وحب الشهرة، منها قوله: (ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه)، وقوله: (من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة)، وقوله: (إن الله يحب من عباده الأنقياء الأخفياء الذين إذا حضروا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا، أولئك مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة)، فلا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى، والضوء والصورة والفلاش، كالذي يخرج ماله ليراه الناس، ليثنوا عليه الناس، فمثل ذلك مثل حجر أملس عليه تراب هطل عليه مطر غزير فأزاح عنه التراب، فتركه أملس لا شيء عليه، فكذلك المراؤون تضمحل أعمالهم عند الله، ولا يجدون شيئاَ من الثواب على ما أنفقوه.