د. محمد بن أحمد غروي
تأثّرتُ كثيرًا بعد مشاهدة الإندونيسيين المُقبلين على التسجيل في تجربة «على خُطاه»، في مقطع فيديو قصير، نشره معالي المستشار تركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للترفيه، على حساباته في منصات التواصل الاجتماعي، فعشرات الإندونيسيين من مختلف الأعمار، منجذبون نحو تفاصيل رحلة أعادت إحياء درب الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وأعادت رسم المسار التاريخي الذي سار عليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، على امتداد 470 كيلومترًا، مرورًا بـ41 معلمًا تاريخيًا و5 مواقع محورية شكّلت نقاطًا فاصلة في الهجرة.
تجربة سياحية روحية تفاعلية غير مسبوقة، تمتد لستة أشهر، فاتحةً أبوابها لمئات الآلاف من الزوار من شتى أرجاء المعمورة، وتم إعدادها بناءً على مصادر تاريخية موثوقة، لهذا المشروع الترفيهي الثقافي الروحي التاريخي والتوثيقي الحديث، حيث قُدّمت السيرة النبوية بما يليق بمكانتها في قلوب المسلمين، وبما يتوافق مع روح العصر وأدواته.
طلبات التسجيل، بحسب تصريحات القائمين على المشروع، تجاوزت حاجز المليون، وتستهدف الخطة استقبال 300 ألف زائر هذا العام، على أن يرتفع العدد تدريجيًا ليصل إلى خمسة ملايين زائر سنويًا بحلول عام 2030. وكانت إندونيسيا أكثر الدول تفاعلًا مع هذا المشروع، حيث ينتظر الآلاف من الإندونيسيين خوض هذه التجربة الفريدة.
وصف الإعلام الإندونيسي ووكالاته التي تلقى خبر المبادرة واصفًا إياها بأنها معايشة للتاريخ النبوي، تبدأ من غار ثور والوصول للمكان الذي مكث فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ونزلت فيه الآية الكريمة: «إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها». في ثلاث دقائق بعد أن كان الإندونيسيون يستغرقون الساعات الطوال للوصول لقمة الجبل التاريخي مستبشرين بالتجربة عبر تضاريس الصحراء، والتوقف عند محطات استراحة ومبيت أُنشئت بعناية لخدمة الزوار. يتنقّل الزوّار بين المواقع التاريخية، راكبين الإبل كما ركبها الأسلاف، ومشاهدين عروضًا تفاعلية تُحاكي وقائع الهجرة لحظة بلحظة، في مواقعها الأصلية.
سيستمتع سكان أكبر تجمع إسلامي في العالم بالتجربة متكاملة، تنقل التاريخ من صفحات الكتب إلى أرض الواقع، وسط سياحة روحانية يملؤها شعور نادر بأنه سيشارك في لحظة تأسيس أعظم حضارة عرفها التاريخ.
تستحق هذه الرحلة أن تُصنَّف كأطول تجربة تاريخية تفاعلية في العالم، بطول مدتها، وامتداد مسافتها، وكثرة معالمها، وعمق محطاتها التراثية. إنها مبادرة عالمية تؤسس لنموذج جديد في التفاعل مع السيرة النبوية الشريفة، خارج حدود الكتب والمحاضرات، في قلب الرمال والجبال والذكريات.
في اعتقادي أنه لابد من ربط منصة «نسك» الشريك الموثوق لعمرة لا مثيل لها، بالتجارب السياحية التي زخرت بها بلادنا خصوصًا الدينية منها حيث يمكث مسلمو جنوب شرق آسيا في المملكة في المتوسط أربع عشرة يومًا للعمرة والزيارة، وأربعون يومًا في الحج وإمكانية شراء التذاكر للأماكن السياحية مسبقًا ليسهل على الزائرين الفرادى والمجموعات خوض ترك التجارب الفريدة خصوصًا مبادرة «على خطاه» التي تحتاجها مجتمعات تحتاج إلى تثقيف ودحض روايات وخرافات عن التاريخ الإسلامي فـ«على خطاه» تستمد الحقائق التاريخية والسيرة النبوية العطرة التي ستُروى قريبًا بدموع الإندونيسيين المُشتاقين لحبيبهم صلى الله عليه وسلم.