رسيني الرسيني
من أنبل الأعمال هو إرجاع الحق لأهله، وفي عالم التأمين المعقد يُعد القضاء فيه أحد الأدوات الأساسية في ترسيخ العدالة وتعزيز الحماية التأمينية للأفراد والمؤسسات.
وفي هذا السياق، تؤدي الأمانة العامة للجان الفصل في المنازعات والمخالفات التأمينية مشكورةً دورًا محوريًا بوصفها جهة عدلية متخصصة تسعى لضمان عدالة العلاقة بين أطراف العملية التأمينية وحفظ الحقوق الناتجة عنها، من خلال أعمالها التي تُعزز ثقة المتعاملين وتضمن استدامة النشاط التأميني.
وقد أظهر التقرير السنوي للأمانة العامة لعام 2024م حجم العمل الكبير بهذا الشأن، حيث تجاوز عدد الدعاوى التأمينية المنظورة خلال العام الماضي 25 ألف دعوى، بقيمة مطالبات تجاوزت 6 مليارات ريال.
هذا الرقم يعكس في أحد أبعاده ازدياد الوعي التأميني في المجتمع، إلى جانب اتساع حجم السوق المحلي وتعقيدات العلاقة بين شركات التأمين والمؤمن لهم. غير أن هذا الرقم يستدعي في الوقت نفسه دراسة وتحليلًا دقيقًا، إذ إن الفجوة بين قيمة المطالبات وقيمة المبالغ التي تم الحكم بصرفها، والتي بلغت 275 مليون ريال فقط، تثير تساؤلات حول مدى وضوح شروط وثائق التأمين وفاعلية التواصل بين شركات التأمين والعملاء. ومن أجل ذلك، تبرز أهمية تطبيق التكاليف القضائية كأحد العوامل التنظيمية المهمة التي تسهم في الحد من تقديم الدعاوى غير الجادة أو غير المبررة.
في سياق موازٍ، عملت الأمانة العامة على تعزيز الوسائل البديلة لحل النزاعات، مثل الصلح والوساطة، باعتبارها إحدى المبادرات المهمة ضمن برنامج التحول الوطني الذي يستهدف بناء منظومة عدلية متكاملة. هذا التوجه لا يعكس فقط وعياً مؤسسياً بأهمية خفض مدد التقاضي وتخفيف العبء على اللجان القضائية، بل يُكرس أيضاً ثقافة قانونية تعتمد على الحلول التوافقية بعيداً عن تعقيدات الإجراءات القضائية، مما يساعد في الوصول إلى حلول سريعة وفعالة تحفظ حقوق جميع الأطراف. وقد بلغت نسبة إقبال الشركات على هذه الوسائل أكثر من 28%، ما يعكس فاعليتها وثقة الأطراف بها.
ومع أهمية الإنجازات، إلا أن التقرير لم يُغفل الإشارة إلى أحد أبرز التحديات التي تواجه الأمانة، والمتمثل في طول مدة التقاضي. إذ بلغ متوسط المدة الزمنية للفصل في الدعاوى أمام اللجان الابتدائية نحو 136 يوم عمل، وهو ما يعادل أكثر من ستة أشهر. وهذه المدة تُعد طويلة نسبياً في ظل طبيعة القضايا التأمينية التي غالباً ما تكون ذات طابع يستدعي سرعة البت، كقضايا التعويضات المتعلقة بالحوادث أو الصحة أو الممتلكات. إلا أن التقرير أشار بشكل إيجابي إلى أن هذا التحدي تحت المعالجة، وأن المستهدف هو تقليص هذه المدة بنسبة تزيد عن 50%، وهو ما يتطلب تحسين الإجراءات الداخلية وتفعيل التحول الرقمي بكفاءة أكبر.
حسنًا، ثم ماذا؟
القضاء في القطاع المالي يُعد حجر أساس للاقتصاد وثقة العاملين والمستثمرين في السوق، ولهذا سأفرد مقالة أخرى خاصة بهذا الشأن -بمشيئة الله-.