حمد عبد العزيز الكنتي
وسط إيقاع الحياة السريع تستيقظ نفسك الحائرة لتُمطرك بوابل من الأسئلة التي ترى بعض إجاباتها في أفعال البعض، فذلك يأكل تمرة ويلفظ النوى، وذاك يتخلص من كوبه الفارغ، وذلك يتمعَّر وجهه دون أسباب وجيهة، وآخر يقفل الباب في وجه من يستحقون الحياة، وغيرها من الإجابات التي لا تود سماعها في عالم لا يعنيه وجودك! ولا يكترث بما أنت قادم إليه! لتدخل في لحظة مليئة بالتأرجح بين ما أنت فيه، وبين ما ينبغي له أن يكون، فتتحاشى صفاء المرآة الذي سيكشف لك حجم المعاناة التي تظهر حينما تنزع قشور بصلة ذاتك، قشرة تلو أخرى، في مشهد مثَّله الشاعر اليماني قائلاً:
الآن أهبط منها حاملاً جسدي
أمشي إليّ فلم أذهب ولم أعدِ!
ما أصعب أن تراوح مكانك وأنت تعقد جلسة مباحثات واسعة النطاق مع جميع أرجائك باحثاً عن الحلول الممكنة والمستحيلة، لتلفحك نيران الحقائق التي تكشف عنك الغطاء في ساحة المواجهة العظمى مع عوالمك الخفية، مستذكراً قول الشاعر محمد عبد الباري:
دخلنا إلى ذاتنا نلتقي بها
فتشظت إلى ألف ذات
ما أجملك وأنت تُظهر التماسك، بينما كل شيء فيك يتصدع، وينخر فيه صداع الأسئلة باحثاً عن المعنى الحقيقي في كل ما حولك من الأشخاص والأحداث والآراء والأفعال والتقييمات، لتتعاطف حينها مع (البيانو الذي كان قدره أن يكون في مسرح كل من فيه مقطوعو الأيادي)! وما بين الخارج والداخل تبحث عن نفسك وسط الأمكنة التي يُزاحمونك فيها إلا أنك لا تراهم! وكأنك ذاك الغريب الذي يعبر سبيل الحياة وسط المكان الذي يعرفه حق المعرفة! مترنماً بقول الشاعر:
أسحب أشباه وجهي من مرايا
في عيونك حبيبي ما لمحت الشبه
وأمام هذه الأقدار تُحاول البحث عن أسرار التحولات في أعماق ذاتك، لعلك تجد البوصلة التي تُرشدك إلى حيث يجب أن تكون، لتفاجأ بأن أسوارها طالت عليك، وأعماقها تزاحمت عليك، كما قال أحدهم ذات مرة: (فتشت في نفسي فوجدت الآخرين)! وفي خضم هذا الضياع الذي تخشى فيه أن يكون سيناريو فيلم حياتك مثلما كتبه الشاعر محمد عبد الباري في هذا البيت:
وجُعلتَ تخسر ُثم تخسرُ حدَّ أن
أصبحتَ في فنّ الخسارةِ مرجعا
فتكون مثل عنوان قصيدته (النسخة الثانية من الغريب)، أو تكون مثلما قال رالف إمرسون: (أن تكون نفسك في عالم يحاول بكل قوته أن يجعلك شيئًا آخر، هو أعظم إنجـاز على الإطلاق)، مُحاولاً أن تتسامح مع نفسك قبل الآخرين كما قال الشاعر:
هو التسامح نهر الله في دمنا
كل الذين ارتووا من نوره سطعوا
وأمام هذه الأقنعة تبحث في الذاكرة عن مصادر إعدادات البرمجة التي أصبحت عليها اليوم، باحثاً عن تغيير بعض صورك الذهنية، قادماً نحو المستقبل بحُلة جديدة تُضيء فيها مصابيح الإجابات طريقك، بينما تُمسك بالأيادي الوفية التي تُخفف عنك معاناة الرحلة، التي تُشعرك بالكثرة وتدفعك لأن تكون شيئاً مذكوراً في حاضر ومستقبل الحياة، مستصحباً قول الشاعر الموريتاني ول بلعمش رحمه الله:
قدر علينا أن نسير وربما
تتوقف الدنيا ونحن نسير