عايض بن خالد المطيري
في المشهد الإداري الحديث بالمملكة العربية السعودية، أصبحت ثقافة التقييم جزءًا أصيلًا من المنظومة المؤسسية، فلم يعد تقديم الخدمة هو الغاية القصوى، بل بات تحسينها وتجويدها هدفًا أساسيًا تسعى إليه مختلف الجهات، سواء كانت حكومية أو شبه حكومية أو خاصة، ولهذا، نلاحظ معظم تطبيقات القطاعات الخدمية - القضائية، الصحية، البلدية، التعليمية، الأمنية وغيرها - تحرص على سؤال العميل مباشرة بعد انتهاء الخدمة: «ما مدى رضاه عن الخدمة؟ وتقيّم الموظف الذي قدم الخدمة؟... إلخ».
ورغم بساطة هذا السؤال في ظاهره، إلا أنه يحمل وزنًا إداريًا كبيرًا؛ إذ يُعد بوابة أولى نحو التطوير والتحسين المستمر.
تتجلى أهمية التقييم في صدقه ودقته؛ فالتقييمات ليست إجراءً روتينيًا ولا عبئًا على المستخدم، بل عملية تحليلية مبنية على منهجية علمية تهدف إلى قياس جودة الأداء، وتوفير بيانات موثوقة تُعتمد في اتخاذ قرارات تطويرية فعالة. أما التقييم المجامل أو غير الدقيق، فيُزيّف الواقع ويُعيق جهود التحسين، في حين أن الامتناع عن التقييم يُفقد المؤسسة فرصة ثمينة لمعرفة مكامن القصور ومعالجتها.
ويُعد تقييم الخدمة وأداء الموظف من أبرز أدوات الإدارة الحديثة؛ فهو ليس مجرد تقرير يُركن في الأدراج، بل مرآة عاكسة لجودة الأداء، ومؤشر حقيقي على رقي وتطور المنظومة.
ولا تقتصر أهمية التقييم على الجانب المؤسسي فحسب، بل تشمل الموظف نفسه؛ إذ تمنحه فرصة للتعرف على نقاط قوته التي يمكن تعزيزها، ونقاط ضعفه التي يمكن معالجتها، مما يسهم في تطويره المهني، وصقل مهاراته، ورفع كفاءته.
ومع كل هذه الفوائد، قد تتعرض عملية التقييم للخلل إذا بُنيت على بيانات غير دقيقة أو أُسيء استخدامها، ومن أبرز المعوقات غياب الحيادية، أو الاعتماد على الانطباعات الشخصية، أو ضعف الوعي بأهمية التقييم لدى كل من الموظف والمستفيد، لذا فإن ترسيخ ثقافة التقييم يتطلب جهدًا مشتركًا بين الجهة والمستفيد، قائمًا على الشفافية، والاحترام، والمسؤولية.
ومن الأمثلة المهمة على أثر التقييم الصادق، ما يحدث عند مراجعة طبيب في مستشفى، حيث يُطلب منّا بعد الزيارة تقييم جودة الاستقبال، ودقة المواعيد، وتعامل الطبيب. فإن عبّرنا عن رضا غير حقيقي بدافع المجاملة، نُسهم دون قصد في استمرار خلل قد يتضرر منه آخرون، أما إذا قدّمنا ملاحظة دقيقة بموضوعية، فإننا نمنح المنشأة فرصة ثمينة لتصحيح الخطأ وتحسين الأداء.
ومن هذا المنطلق، تتجلى الرسالة الجوهرية لهذا المقال فالتقييم ليس مجرد إجراء شكلي أو مظهر تجميلي، بل هو أداة تطوير تشاركية تتطلب الوعي والجدية. ومن واجبنا كمستفيدين أن ندرك أن تقييمنا ليس رأيا سطحيا، بل مساهمة فاعلة في الإصلاح، نؤديها انطلاقًا من مسؤوليتنا المجتمعية، ما دامت الجهات المعنية تحترم آراء العملاء وتستثمرها بوعي لتحسين الأداء وتحقيق النفع العام، فنحن نسير على الطريق الصحيح نحو بناء خدمات حكومية عالية الكفاءة، مستدامة الجودة، تواكب تطلعات الوطن وتلبي طموحات المواطن نحو رؤية ثاقبة.