د.شريف بن محمد الأتربي
وُلدنا ونشأنا على أن العالم مقسم إلى ثلاث فئات: العالم الأول والعالم الثاني- ولم أسمع عنه الكثير- والعالم الثالث وهو عالم الفقراء في كل دول هذا الكون.
صّدرت إلينا الصحف والمجلات والأفلام والروايات أن العالم الثالث هو سبب كل مشكلات الحياة، وأنه عالم متخلف اقتصادياً واجتماعياً وفكرياً وأخلاقياً، وأن جنة الله في أرضه هي دول العالم الأول ومن بعدها ظهرت أمريكا ليتهافت أغلب أبناء هذا العالم المزدرى منهم للهروب إليهم والنجاة بأنفسهم أولاً ثم عائلتهم ثانياً من الوقوع في شرك الجهل والفقر والتخلف، ليكتشفوا أخيراً أنهم ما زالوا مزدرين رغم تحولهم الكامل من ثقافة مجتمعهم إلى ثقافة المجتمع الذين ارتضوا به وطناً بديلاً. تزخر كتب التاريخ والتراث والحكايات المتناقلة عبر النقوش والآثار بروايات عديدة، وحوادث فريدة لكل دول العالم بلا نقص أي دولة، وبما فيها الدويلات التي تنسلخ عن دولها الأم لتصبح دولا أخرى، تزخر هذه الكتب بقصص يندى لها الجبين، وتكاد تتفق كلها بلا استثناء أن جل مصائب العالم لم تكن بفعل الدول المستضعفة، بل بسبب من يطلق عليها القوى العظمى، ففي كل منطقة من إفريقيا وآسيا وحتى أوروبا الشرقية، وقعت كوارثها بسبب أطماع هذه القوى في خيراتها، واحتلالها بداعي التطوير والتخلص من الجهل والفقر، لينتهي الحال بهم في فقر وازدراء وتحولهم إلى مواطنين من الدرجة الثالثة في دولهم التي كانت حتى وقت قريب وطنا خالصا لهم.
إن كل كوارث العالم من حروب لم تكن دول العالم الثالث طرفاً فيها، ولكنها أقحمت إقحاماً، واسُتغلت ثرواتها ورجالها ونساءها في حروب ونزاعات ليس لهم يد فيها، سوى أنهم تابعون بلا إرادة لمن تولهم بلا حجة ولا منطق سوى منطق القوى الغاشمة.
لم تكن دول العالم الثالث سبباً في الحرب الأمريكية، ولا العالمية، ولا البلقان، ولا الروسية ولا... ولكنهم أكثر من اكتوى بنارها ودفع ثمنها من بنوك ثرواتهم النقدية والطبيعية والبشرية.
إن أكذوبة العالم الأول والثاني والثالث قد تكشفت أمام الجميع بفضل التقنيات الحديثة التي نقلت الصورة الحقيقية للاستبداد والعنف والقهر الذي عاشه ويعيشه أغلب سكان هذا الكوكب من جراء أفعال ثلة من المتهورين والمارقين حتى أصبح العالم يئن من وطئه أفعالهم الغبية، وقراراتهم العفنة التي أدت بنا إلى ما نحن عليه الآن.
إننا الآن وبعد كل هذه السنوات التي عمر فيها الإنسان الأرض، أصبحنا نعيش في عالم اللا عالم، عالم القوة الغشيمة المفرطة التي يملكها مارقون ويتحكم فيها مخبَّلون تحت ذريعة التقدمية، أو الجنوح الفكري والتشدد الديني وهو ما يظهر فقط في دول العالم الإسلامي، أما الدول الأخرى فهي ترى نفسها كما حكيت قصة سندريلا والأمير، وقصة الأميرة والأقزام السبعة.
«وداعاً أيها العالم، وأهلاً باللا عالم».