د. محمد بن إبراهيم الملحم
كلنا سمعنا مؤخراً عمَّا حدث في الطائف، حيث تعرضت إحدى آليات الملاهي للكسر أثناء التشغيل مما أدى إلى إصابة أكثر من 23 شخصاً، وهذا الحدث يدعو إلى التأمل فعلاً في هذه الألعاب الخطيرة والتي (كما نعلم جميعاً) لا يقدم على ركوبها أي شخص، وأعتقد أن هذا وحده كاف ليدلنا على أن هذه الألعاب فعلاً خطيرة ولا ينبغي أن تكون وسيلة للتسلية. وإن الأشخاص الذين يمتنعون عن ركوب هذه الألعاب ليسوا بالضرورة مرضى أو لديهم فوبيا المرتفعات أو فوبيا ركوب هذه الأشياء أو ما إلى ذلك من هذه الأسباب، وإنما هناك عدد كبير جداً منهم لا يركبونها فقط من أجل التحوط بالسلامة والبعد عن احتمالات الخطر، ويندرج هذا تحت ظل اتباعهم للقاعدة الشرعية المشهورة في قوله عزَّ وجلَّ {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، وقوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار). وفي الواقع فإن مثل هذه الألعاب تحتاج إلى كثير من الاهتمام والعناية بقضايا الصيانة والسلامة سواء في تصميمها أو في تركيبها أو في تشغيلها، كما أن من يركبوا فيها يجب عليهم أن يتفهموا متطلبات السلامة ويتقيدوا بها.. وأمام كل هذه الاحتياطات والشروط فإنها تكفي وحدها للتدليل على خطورتها، ونقول نعم ربما نتحمَّل مثل هذه الخطورة من أجل السفر في ركوب الطائرة مثلاً (مع أنها أقل خطراً من هذه الألعاب بكثير) ولكن مع ذلك تظل مسألة الاحتياطات وجوانب السلامة هاجساً لدى كثير من المسافرين بالطائرة ويتحمّلوها لحاجتهم إلى السفر، أما «التسلية» بهذه الألعاب فليست حاجة ملحة، ويمكن أن تقوم مقامها ألعاب أخرى كثيرة أقل خطراً، ولذلك لا أدري حتى متى يستمر التعامل بهذه الألعاب المميتة! ولا يعني كونها موجودة في الغرب أو في كثير من الدول المتقدمة أن نتقبل وجودها لدينا فقيمة الإنسان والمحافظة عليه هي أولوية تختلف فيها الأمم والحضارات باختلاف ثقافتها ودينها وقيمها.
وفيما يلي بعض الفتاوى التي صدرت حول مثل هذه الألعاب الخطرة: اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية ترى أنه «لا يجوز الإقدام على أي تصرف فيه تعريض النفس للهلاك أو الضرر البالغ، سواء كان في سفر أو لهو أو تسلية، لقوله تعالى{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، وقوله {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}. وترى دار الإفتاء المصرية أنه «لا حرج في ممارسة ألعاب الترفيه إذا كانت لا تُؤدي إلى ضرر بالنفس أو الغير، وتُراعى فيها وسائل الأمان، ولا تُلهي عن واجب أو صلاة. أما إذا ثبت أنها تؤدي إلى أذى أو وفاة، فإنها تكون محرَّمة» وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- عن القفز بالمظلات (Skydive) أو ركوب الأفعوانيات الخطيرة، فأجاب: «إن كان ذلك من باب الرياضة المدروسة الآمنة، وفيها فوائد، وكانت تحت إشراف دقيق فلا بأس، أما إن كانت مغامرة فيها احتمال الهلاك أو الضرر الكبير، فلا يجوز».
ودعوني أقدم لكم بعض الإحصاءات حول حوادث هذه الألعاب فتقول دراسة Woodcock et al. عام 2019 عبر 38 دولة أن عدد الحوادث والوفيات العالمية (سنويًا) هي 182 حادثة ترفيهية سنويًا، منها 51 حادثة وفاة. كما تقول إحصاءات الولايات المتحدة أنه من 1987 إلى 2000 فقد كان متوسط الوفيات المرتبطة بألعاب الملاهي هي 4.5 وفاة سنويًا، وحديثاً في عام 2016 فإن نحو 30,000 إصابة بالمستشفيات كانت بسبب الملاهي، ومنها 10 % إصابات في الأفعوانيات، ومن الحوادث البارزة اصطدام قطارين في إسبانيا، وسقوط مراهقة في الصين، وحدوث وفاة جماعية بأستراليا، وهو ما يؤكد أن الحوادث رغم قلتها إلا أنها مقلقة كما تقول مجلة تايم TIME ويذكر أيضاً في هذا السياق حادث «JetLine» بالسويد عام 2023 ، حيث إن خروج هذا القطار خروج جزئي عن مساره أدى إلى وفاة شخص وإصابة 9 آخرين، وكذلك كارثة Battersea Park بلندن 1972 عندما خرجت عربة عن المسار فتسببت في 5 وفيات و13 إصابة. ولا يقتصر الأمر على حدوث هذه الأعطال الميكانيكية أو الفنية مما يتسبب في عدم عودة المركبة بأمان إلى محطة البدء وسقوط الناس منها مثلاً وإنما أيضاً سجلت كثير من الحالات لأسباب عدم تحمّل الأشخاص الذين ركبوا هذه الأشياء فمثلاً في الولايات المتحدة وبين 1994 و2004 سجلت 18 حالة وفاة نُسبت إلى حالات طبية قد تكون فُجّرت أو تفاقمت بفعل ركوب الأفعوانيات وكانت 15 من هذه الوفيات ناتجة عن نزيف دماغي داخلي أو مشاكل قلبية، ولم يكن هناك خلل تقني في الألعاب ومن ضمن الحالات فتاة عمرها 12 عامًا توفيت إثر نوبة قلبية أثناء اللعب وكانت تعاني من حالة قلبية لم تُشخّص سابقًا. كما وثقت الدراسات ما لا يقل عن 20 حالة سكتة دماغية أو نزيف سبّبتها قوى تسارع الألعاب (acceleration forces)، رغم أن الألعاب كانت تؤدي عملها بشكل سليم، وتشير مراجعات طبية إلى أن السرعة الفجائية والرولات قد تؤدي إلى رجفان بطيني أو خفقان، أو نوبات قلبية حتى للناس غير المرضى تمامًا، وبعض الألعاب مثل قطار الموت (Roller Coaster) وبرج السقوط (Drop Tower) تسبب في تسارع نبضات القلب الشديد، وارتفاع الضغط المفاجئ مما قد يؤدي إلى الجلطات الدماغية أو الذبحة الصدرية أو حتى فقدان الوعي ثم الوفاة المفاجئة خاصة عند من يعاني أمراضًا مزمنة أو غير مشخصة. وخلاصة القول: امنعوا هذه الألعاب المميتة.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً