محمد الخيبري
كل موسم، تعود القصة نفسها لتتصدر المشهد الرياضي جدولةُ الدوري السعودي للمحترفين، ومعها تعود الانقسامات والاعتراضات، وشعورٌ بالظلم يطال الأندية وجماهيرها.. ليست هذه المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة ما دامت الحلول غائبة والمشكلات تتراكم وتتكرر في ظل غياب الشفافية وعدم التدوير في أعضاء لجنة المسابقات وعدم التطوير في عملها.
لجنة المسابقات التي من المفترض أن تكون الحَكَم العادل والمُنظِّم الحصيف، تبدو وكأنها تدور في حلقة مفرغة.. قراراتها لا تُرضي الجميع، بل إنها في كثير من الأحيان لا تُرضي أحدًا ، نرى أنديةً تُجْبَر على خوض مباريات متلاحقة في فترة زمنية قصيرة، بينما تُمنَح أندية أخرى فترات راحة طويلة، مما يخلُّ بمبدأ تكافؤ الفرص، ويُعرِّض اللاعبين للإرهاق والإصابات، ويُفقد المسابقة جزءًا كبيرًا من عدالتها وروحها التنافسية.
هل من المقبول أن نرى أنديةً تُكافح على جبهات متعددة محلية وقارية، وتُجْبَر على اللعب كل ثلاثة أيام، بينما تظل أندية أخرى تتفرج منتظرةً جدولًا أكثر مرونة؟ هذا الوضع ليس مجرد خلل فني في التخطيط، بل هو فشل إداري في استيعاب التحديات وتقديم حلول حقيقية.
ولم تراعِ اللجنة مواعيد المباريات المهمة والجماهيرية والتنافسية المتضاربة مع مشاركة اللاعبين الدوليين المحليين والأجانب مع منتخبات بلادهم في البطولات القارية المتفاوتة والمختلفة في التوقيتات سواء في أوروبا أو أفريقيا أو الأمريكيتين وآسيا، وعدم استفادة أنديتهم من لاعبيها على الرغم من دفع ملايين اليوروات لجلبهم لرفع مستوى الدوري فنياً ولوجستياً وجماهيرياً.
لَم يعد مقبولًا أن يكون عُذر تضارب المواعيد أو الارتباطات الخارجية هو الشماعة التي نُعلِّق عليها فشلنا في تنظيم مسابقة بهذا الحجم.. الدوري السعودي للمحترفين لم يعد مجرد دوري محلي ، إنه الآن محط أنظار العالم، ويضم نجومًا عالميين وأنديةً تمتلك إمكانات هائلة.. هذه المكانة تفرض على القائمين عليه مسؤولية أكبر بكثير من مجرد إصدار جداول قابلة للنقد والاعتراض.. المطلوب ليس فقط حلولًا موسمية أو ترضيات مؤقتة المطلوب هو رؤيةٌ استراتيجيةٌ طويلةُ المدى. رؤيةٌ تأخذ في الاعتبار كافة الظروف المحتملة، وتُشرِك الأندية في عملية التخطيط، وتُقدم جداول زمنية واضحة وشفافة قبل بداية الموسم بفترة كافية.
رؤيةٌ تضع مصلحة كرة القدم السعودية فوق كل اعتبار، وتُعزِّز العدالة، وتُحسِّن من جودة المنافسة.. إنَّ فشل لجنة المسابقات في إيجاد حلول مرضية ليس فقط مسألة تنظيمية، بل هو مسألة ثقة الأندية في نزاهة المنافسة، وثقة الجماهير في كفاءة إدارييها، وثقة اللاعبين في حمايتهم من الإرهاق.
لقد آن الأوان لوضع حد لهذه المعاناة المتكررة، وتقديم حلول جذرية تضمن سير المسابقة بأفضل شكل ممكن، يليق بحجم وقيمة دورينا.. وإذا كان هذا هو حال الجدولة، فماذا عن عملية نشرها؟! هل يعقل في عصر السرعة والتقنية أن يصل جدول دوري محترفين عالمي إلى بعض الأندية دون غيرها؟ وأن يتسرب إلى حسابات إعلامية ورسمية قبل أن يصل إلى أصحاب الشأن الأساسيين، وهم الأندية نفسها؟.
تُشير الأنباء الأخيرة، التي تناقلتها مصادر موثوقة في صحيفة الجزيرة، إلى أن الجدول المرتقب لم يصل لكافة الفرق، بينما نشرته أندية أخرى.
هذا المشهد لا يثير الدهشة بقدر ما يثير الغضب؛ فهو يُعبِّر عن حالة فوضى إدارية غير مقبولة. إنها ليست مجرد زلة أو خطأ فني، بل هي إشارة واضحة إلى غياب التنسيق، وعدم احترام الأندية التي تُشكِّل العمود الفقري للمسابقة.
كيف لأندية أن تستعد لموسمها، وتُخطط لمعسكراتها، وتُجهز لاعبيها، وهي لا تعرف مواعيد مبارياتها بشكل رسمي؟ هذا التخبط لا يُفقد الجدولة مصداقيتها فحسب، بل يُفقد المنظومة بأكملها احترامها. وكأننا نُدار بعقلية الهواة، لا بعقلية المحترفين التي نسعى إليها. لقد حان الوقت لإعادة النظر في كل هذه الإجراءات، وتصويب هذا المسار المليء بالعثرات.