عمرو أبوالعطا
منذ أن أسّس الملك عبدالعزيز الدولة السعودية الحديثة، ظلت قضية فلسطين هي القضية المركزية في وجدانه السياسي، فقد حرص في خطاباته ورسائله، على التأكيد الدائم لأهمية وحدة الصف العربي في الدفاع عن فلسطين، وكان لكل ملك سعودي بعده، دور بارز في حمل هذه الراية، لتغدو القضية الفلسطينية جزءاً لا يتجزأ من السياسة الخارجية للمملكة، بل قضية إيمان وهوية، وشرف عربي وإسلامي.
سطر ملوك المملكة مواقف راسخة ومشرفة تجاه فلسطين، منذ الملك عبدالعزيز الذي مثل صوت فلسطين في المحافل الدولية، وكان يرى ألا حل دون عودة الأرض والكرامة لأهلها، وبلغ الدعم السعودي ذروته في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز، الذي قال عبارته الشهيرة في مؤتمر القمة الإسلامية: «لن نتخلى عن المسجد الأقصى ولو جفت عروقنا».
وتوالت المواقف: الملك خالد استقبل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وساند إعلان الدولة الفلسطينية، والملك فهد قدّم «مبادرة فهد للسلام» التي اعترفت بالحقوق المشروعة للفلسطينيين، بينما طرح الملك عبدالله «مبادرة السلام العربية» في قمة بيروت 2002، مع مضاعفة المساعدات الإنسانية. وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ظلّت القضية الفلسطينية في صدارة أولويات المملكة، حيث تصدّرت السعودية المشهد العربي في الدفاع عن القدس في كل المحافل.
إن الدور السعودي في فلسطين ليس دورا ظرفيا، بل يمتد بجذوره إلى أبعاد قومية، وإسلامية، وإنسانية عميقة.
حين تلتقي الصحراء مع نور الحرمين الشريفين، ينبض قلب سعودي لا يغفل عن معاناة غزة، من أعلى هرم القيادة حتى أبسط مواطن، فلم يكن تصعيد السابع من أكتوبر 2023 مجرد خبر عابر في الإعلام، بل نداء إنساني استقر في وجدان كل سعودي.
وفي كل مرة تصرخ فيها غزة، تلتفت الأنظار إلى الرياض، وقف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ثابتاً، موازناً بين تعقيدات السياسة ووجع الإنسان، لم يركن إلى الشعارات أو يسابق الكاميرات، بل كان حضوره الفعلي أسبق من الكلمات، وفعله أصدق من العناوين، عبر عن نبض الشارع السعودي بصوت لا يهدأ، وموقف لا يتراجع، وتحرك في قلب الحدث، حيث كانت الرياض بقيادته حاضرة بكل ثقلها السياسي والإنساني.
أكد ولي العهد على ضرورة وقف فوري لإطلاق النار وحماية المدنيين، بادر سريعاً إلى الدعوة لعقد اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي، فاتحاً قنوات الضغط السياسي والإنساني، ورافضاً كل محاولات استغلال القضية الفلسطينية في مزايدات سياسية أو مواقف مؤقتة.
لم يكتف ولي العهد بالخطابات السياسية، بل جعل من الدعم لفلسطين واقعاً ملموساً: عبر التبرعات الشخصية، والمجتمعية، والإغاثات الجوية والبحرية، والدعم المالي المستدام، والدعوات السياسية الجادة، كانت كل خطوة تعكس التزاماً حقيقيًا بنصرة الإنسان، لا استغلال القضية.
قاد الأمير محمد بن سلمان الموقف السعودي نحو توازن حازم ومبادئ ثابتة، رافضاً «صفقة القرن»، ومؤكداً خلال قمة الرياض في نوفمبر 2023 ضرورة الوقف الفوري للعدوان ورفض التهجير القسري، كان دعمه مدروساً، واقعياً، متناقضة، وموجها لضمان ألا تشعر غزة بالعزلة وسط الدخان والركام.
«غزة.. حين سمعها قلب سعودي» هذه ليست قصة عابرة، بل مسيرة إنسانية تعبر الزمن، تتكرر في كل استجابة سعودية لنداء من غزة، وتنبض في كل خطوة دعم وسياسة رشيدة يقودها ولي العهد، ليكون السند والأمل.
وتبقى المملكة، واحدة من القوى القليلة التي تمتلك الإرادة والقدرة لإعادة التوازن ونصرة شعب فلسطين. فصوتها يظل عاليًا، صريحًا، ثابتًا، يشقّ غبار المواقف الرمادية، ليكون ركيزة صلبة في جدار الدعم العربي الحقيقي لفلسطين.