الهادي التليلي
القارة الأفريقية التي ارتبط اسمها في الذاكرة الجماعية بقوالب ثابتة أهمها، الفقر والتصحر والثروات الطبيعية نأت حقيقتها عن أحبابها بحقيقتها، فأفريقيا الآن ليست أفريقيا التي في فكرنا وذاكرتنا والصورة الذهنية التي نحملها عنها، أصبحت بعيدة كل البعد عن حقيقتها وواقعها الراهن، أفريقيا تنتفض تنمويا في أجزاء منها، وتدخل في أدغال استعمار اقتصادي آخر مخالف للاستعمار القديم الذي كانت تهيمن عليه القارة العجوز ممثلة في كل من بريطانيا وفرنسا وبلجيكا.
أفريقيا تتحول في كل أوجهها والمؤثرون في المشهد تغيروا بشكل شبه كلي نعم أفريقيا تتغير بشكل كلي لم تعد موطن المجاعات مثلما كان الشأن بالنسبة لإثيوبيا التي أصبحت دولة متطورة ومهيمنة على النقل الجوي في القارة ولها ما يكفيها وغيرها من الثروات، ورواندا التي كانت مطحنة ومجزرة بشرية نتيجة الحرب العرقية بين قبائل الهوتو والتوتسي أصبحت نموذجا تنمويا لا يتكرر بل وصارت متهمة بالتنمر على إحدى أكبر الدول الأفريقية من حيث المساحة ومن حيث الثروات، وكذلك الكثافة السكانية وتعداده ونعني بذلك الكنغو الديمقراطية.
أفريقيا التي كانت تثابر من أجل منح الاستعمار القديم ثرواتها لتقبع تحت خط الفقر أصبحت تبني علاقات جديدة مبنية على البراغماتية الاقتصادية خارج التفريط السيادي في الثروات، فالصين وروسيا والمملكة العربية السعودية وأمريكا هم شركاء نجاح القارة في هذه المرحلة بعد ثبوت مقولة أن المستعمر القديم لم يخلف سوى الدمار، وهنا يستوقفنا طرد مالي للجيش الفرنسي الذي كانت مهمته العميقة سرقة الثروات ونفس المآل حصل للفرنسيين مع الكوت دي فوار وبوركينا فاسو مع الرئيس الجسور إبراهيم تراوري.
أفريقيا الجديدة وإن ما زالت تعاني من نزيف هروب أبنائها نحو الغرب ومن التفاوت الطبقي إلا أن أقطاباً جديدة مثل ناميبيا وبوتسوانا وأنغولا أصبحت نقاط جذب عكسية للأوروبيين والأمريكان والقبارصة واليونانيين والأرجنتينيين والبرتغاليين للعمل في قطاعات الصيد البحري والمعادن والبترول وغيرها.
الصين وروسيا والسعودية وأمريكا هم الشركاء الحاليون لدول القارة تنموياً ولا وجود فعلي على الميدان للدول الأخرى ونعني الدول الأوروبية بما في ذلك الاستعمار القديم.
الثروات التي تتوفر عليها القارة 70 % منها لا تعرفه الدول الأفريقية، ولا حتى دول الاستعمار القديم هي ثروات لم يقع استكشافها، تنام تحت الرمال والصخور الأفريقية، تنتظر الوعي بها والإمكانات أفريقيا التي ما زالت تعيش بعقلية التعاضديات في البحث عن المعادن تحت إشراف الحكومات بدأت بتأسيس مصافي عملاقة سيادية لاستخراج المعادن وبناء اقتصاديات ثابتة من خلال شراكات خليجية وصينية، ولكن عدم غياب رؤية استراتيجية موحدة جعل النمو بطيء ونسق التنمية متثائب.
الثروات الحيوانية في أفريقيا خرافية وتتجاوز الحاجات في أوقات كثيرة، فبلد مثل بوتسوانا فيه 4 ملايين ساكن، والحال أن عدد رؤوس البقر والعجول يفوق 30 مليون رأس لدرجة أن حوادث المرور في بوتسوانا مع الحيوانات أكثر مما هو بين البشر والسيارات
أفريقيا تتغير وتتحول ويتسارع العالم المتقدم لوضع موطئ قدم فيها قبل فوات ووعي الأفارقة سيادياً بثرواتهم وهو ما يحصل حالياً بين أمريكا وهو ما ستداوله وسائل الإعلام قريباً.
أفريقيا استفادت من الدبلوماسية الناعمة السعودية ومخرجاتها واستفادت من الدبلوماسية الاقتصادية الصينية والروسية والأمريكية وهي قادمة كمستقبل اقتصاد المعمورة القادمة.