د.محمد بن عبدالرحمن البشر
اعتراف فرنسا بدولة فلسطينية كما وعد الرئيس الفرنسي، بأن يتم في سبتمبر عند انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة ومثلها بريطانيا بشروط، خطوة إيجابية غير مسبوقة من دولتين كبيرتين، وعضوين دائمين في مجلس الأمن، وهنا لا بد من الإشارة والإشادة بالجهد الكبير المبذول من المملكة العربية السعودية لدفع فرنسا وغيرها إلى اتخاذ هذا القرار التاريخي، ونعلم أنه قد سبق ذلك القرار اجتماعات متكررة أحادية وجماعية مع عدد من الدول والمملكة العربية السعودية، وفي نهاية المطاف نجحت الجهود، ووضعت لبنة أساسية في الطريق إلى قيام دولة فلسطينية، وصحيح أنها كما تقول فرنسا دولة منزوعة السلاح، وتعترف بإسرائيل، ولم يذكر أن تكون على حدود سبعة وستين، ولم تذكر القدس عاصمة لها، لكنها تظل خطوة جريئة ورائدة.
المملكة العربية السعودية صرحت مراراً وتكراراً أنها لن تطبع مع إسرائيل حتى قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة والقدس الشرقية عاصمة لها، وهذا الموقف الثابت جزء من الدفع باعتراف فرنسا وغيرها بالدولة الفلسطينية قريباً، لمكانة المملكة وأخذ الدول موقف المملكة بالحسبان عند صنع سياساتها، وكما نعرف أن المملكة تدعو إلى السلام العادل المتفق مع قرارات الأمم المتحدة، ولهذا فقد كان موقفها واضحا من رفض العدوان الإسرائيلي على غزة، وبناء المستوطنات في الضفة الغربية، وهدم المنازل، والاعتداءات المتكررة من المستوطنين الإسرائيليين والحكومة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني الأعزل، وقد عبرت عنه في كل محفل.
القرار الفرنسي قابله ترحيب عربي وإسلامي وكثير من الدول الأوروبية مثل إسبانيا وإيرلندا ومالطا وبلجيكا وبعض دول البلطيق، ونجد أن بقية الدول الأوروبية تنتظر الوقت المناسب لها، بعضها موقفها متقدم جداً، والأخرى متردد، وعدد محدود لهم موقف متأخر يتبعون الموقف الأمريكي، الرافض للخطوة الفرنسية، كما أن وزير خارجية إحدى الدول الأوروبية، قد صرح بأن على الحكومة الفلسطينية القادمة الاعتراف بإسرائيل أولاً، لكن إسرائيل لا تعترف بالدولة الفلسطينية، يعني أن يعترف طرف في الوقت الذي لا يعترف الطرف الآخر، وفي ذات الوقت فإن هذه الدولة الأوروبية تعترف بإسرائيل، أي أنها تعترف بجانب واحد ولا تعترف بالآخر وتشترط عليه الاعتراف بخصمه، وهذا أمر غير منطقي، أما الموقف الأمريكي فكان واضحاً بقول رئيسها إن اعتراف فرنسا ليس له قيمة.
الموقف البريطاني واضح في تأييده لقيام دولة مستقلة، لكنه يرى أن الأمر يحتاج إلى تبلور واقع ميداني يسمح بقيام تلك الدولة، والجميع يعرف أن إسرائيل بإدارتها الحالية لا تؤمن بدولة فلسطينية أو شعب فلسطيني، وترى أن فلسطين التي تسميها يهودا والسامرة، وأجزاء هنا وهناك تحددها هي ملك لها، مستندة إلى أسطورة قبل ثلاثة آلاف عام، ولو رجع العالم إلى تبني الواقع قبل ثلاثة آلاف عام لتغيرت خريطة العالم كله، أوروبا وآسيا والأمريكتين وأستراليا ونيوزيلندا وأفريقيا.
الموقف السعودي الداعم لحق الشعب الفلسطيني في الكرامة والعيش على أرضه ودولته المستقلة هو الحجر الأساس الذي ستبنى عليه كثير من المواقف الدولية لمكانة المملكة، ولما يتمتع به قادتها من حكمة ومواقف متوازنة من القضايا الدولية، بما فيها القضية الفلسطينية التي تعد القضية الأولى لدى العرب والمسلمين.