محمد العويفير
في كرة القدم الحديثة لم يعد اللاعب مجرد عنصر داخل الملعب يؤدي واجباته الفنية والتكتيكية، بل باتت بعض الأندية وخاصة تلك التي تسعى لبناء مشروع سريع ومثير تمنح بعض نجومها نفوذًا يتجاوز المستطيل الأخضر ليمتد إلى غرفة القرار والتخطيط الفني وحتى تشكيل مستقبل النادي، وقد يبدو الأمر في بدايته منطقيًا، خصوصًا إذا كان اللاعب يتمتع بخبرة طويلة ورؤية كروية ناضجة وشعبية جماهيرية عريضة.
غير أن هذا المسار وإن بدا مغريًا لتحقيق نجاح آن فإنه يحمل في طياته مخاطر كبيرة قد لا تظهر إلا على المدى البعيد، خذ على سبيل المثال ما حدث مع كريم بنزيما في نادي الاتحاد، بمجرد انضمامه تغيّرت كثير من الأمور داخل النادي، صحيح أن حضوره أضفى زخمًا عالميًا، وصحيح أن الفريق نجح في تحقيق بطولة الدوري في موسمه الثاني.
إلا أن تلك النجاحات لم تكن سوى قشرة لامعة تُخفي وراءها تغيّرات جوهرية في توازنات النادي، بنزيما الذي يُفترض أن يكون لاعبًا فقط تحوّل تدريجيًا إلى طرف مؤثر في قرارات تتجاوز صلاحياته، لم يعد مجرد مهاجم يسجل الأهداف، بل صار رأيه مسموعًا في الأمور الفنية، وتردد كثيرًا أنه يفضل مدربًا على آخر، ويقترح أسماء لاعبين للتعاقد معهم، بل يتحكم في أجواء غرفة الملابس.
الأمر لم يتوقف عند الجانب الفني، بل وصل إلى ما هو أخطر من ذلك، ففي لحظة فارقة نشر بنزيما تغريدة يدعم فيها أحد المرشحين لرئاسة نادي الاتحاد، رغم أن هذا المرشح لم يكن يحظى بتأييد واسع من الجمهور الاتحادي، هنا تجاوز اللاعب كل الخطوط الحمراء، بأن يُعلن لاعب محترف دعمه لمرشح دون غيره فذلك لا يُعد مجرد رأي شخصي، بل تدخل مباشر في الشأن الإداري وتوجيه للرأي العام الاتحادي، وربما محاولة للتأثير على القرار الديمقراطي داخل النادي، وهذا التصرف في حقيقته يُهدد وحدة الجماهير، ويضرب بمبدأ الحياد داخل النادي، ويحول اللاعب من رمز فني إلى أداة ضغط داخل البيت الاتحادي.
هذا السلوك ليس حالة فريدة، بل إن تجربة كريستيانو رونالدو مع نادي النصر تقدم نموذجًا آخر لتضخم دور اللاعب خارج الملعب، كريستيانو الذي جاء إلى السعودية كمشروع تسويقي وفني ضخم لم يكتفِ بأن يكون النجم الأول، بل اشترط - كما تردد - أن يكون له إشراف مباشر على المشروع الكروي في النادي، وفعليًا بدأ دوره يتجاوز التمارين والمباريات، إلى أن أصبح صانع قرار في اختيار الجهاز الفني واللاعبين، وحتى في رسم ملامح مستقبل الفريق، تحول كريستيانو من لاعب إلى ما يشبه المدير الفني العام، يقرّب من يشاء ويبعد من لا يروق له، وكل ذلك تحت مبرر الخبرة والاحترافية والمكانة.
لكن هذه النماذج، مهما حققت من نجاح قصير المدى تُعاني من خلل جوهري، فهي تُربك البنية المؤسسية للنادي، وتُضعف هيبة الإدارة، وتخلق بيئة من التمييز داخل الفريق، إذ يشعر بقية اللاعبين بأن هناك من يعلو فوق الجميع، لا بالموهبة فقط، بل بالقرار والتأثير، وعند رحيل هذا اللاعب ينهار كل ما بُني حوله، ويجد النادي نفسه بلا هوية، بلا مشروع حقيقي، وبلا منظومة مستدامة.
في كرة القدم النجاح لا يُقاس فقط بعدد البطولات، بل بمدى رسوخ المشروع ووضوح الرؤية واستقلالية القرار، حين يُسلّم النادي قراره بيد لاعب مهما بلغ من المجد فإنه يُراهن على الحاضر ويضحّي بالمستقبل، الكيان يجب أن يبقى أكبر من أي اسم، والتاريخ لا يُصنع بالأفراد بل بالمؤسسات، اللاعب مهما بلغ من التأثير يبقى جزءًا من منظومة لا قائدًا لها، دوره ينتهي عند خط التماس، أما خارجه فهناك من يجب أن يتخذ القرار بعيدًا عن المزاج والانتماء والصداقات.
رسالتي:
الأندية لا تُبنى على الأسماء، بل على المبادئ التي تبقيها حيّة بعد رحيل كل الأسماء.
** **
- محلل فني