د. ناهد باشطح
فاصلة:
«الحماس يفتح الأبواب، لكن الانضباط هو من يُبقيك في الداخل» - جون سي ماكسويل-
*****
عندما اشتركت قبل ثلاثة أعوام في دورة تدريبية طويلة لمدة شهر ونصف عن التنفس العميق، قالت لنا المدربة إن أصعب ما سيواجهنا هو شعور المقاومة الذي لو انتصر فلن نكمل هذه الدورة، أما إذا استمررنا في التنفس يوميا طوال المدة فسوف تتغير حياتنا للأفضل وهو ما حدث لي فقد أنجزت المهمة وتغيرت حياتي تماماً لأنني التزمت بقرار حماسي دون استسلام للمقاومة التي تتخذ صورا من أفكار معيقة مثل «هل التنفس مجدي، أنا متعبة اليوم لن أمارس التنفس»، غداً التزم بالتنفس وهكذا لم تتغير حياتي للأفضل فأعرف معني الهدوء وضبط ردود أفعالي وخسارة وزني لأنني أتقنت التنفس وأصبحت أدرب الآخرين عليه، بل لأنني عرفت معنى المقاومة وأدركت الحكاية النفسية خلف بداية الطريق دون إكماله.
جميعنا يمر بلحظات من الحماس بل ويقرر أن يبدأ ممارسة الرياضة أو الاشتراك في دورة تدريبية، وقد نقوم بالخطوة الأولى.. ثم فجأة، بردت الفكرة، ومرّت الأيام، وعاد كل شيء كما كان.
هذا الحماس هو ناتج عن شعور بالألم أو الإلهام، لكنه لا يكفي وحده لإحداث التغيير، لأن شعور المقاومة يبدأ في محاولة صرفنا عن تطبيق الحماس فعلياً على أرض الواقع
العقل يريد التغيير، لكن الجسم والعادات القديمة تقاوم وتبقينا في منطقة الراحة..
المقاومة الداخلية تعبّر عن ذاتها بطريقة غير مباشرة: «أنا مشغول»، «ليس الآن الوقت المناسب» ثم نشعر بالذنب ونصف أنفسنا بالكسل أو الضعف.
علمياً، هناك أسس نفسية وعصبية واجتماعية تُشكل استجابتنا للتغيير.
وهناك مفهوم التنافر المعرفي الذي صاغه عالم النفس ليون فيستينجر في خمسينيات القرن الماضي، الذي يشير إلى الانزعاج الذي نشعر به عندما نتمسك بمعتقدات أو مواقف أو سلوكيات متضاربة، نريد ولا نريد في نفس الوقت.
وهناك دراسة أجراها باحثون في جامعة ستانفورد، بعنوان «ظاهرة الانحياز للوضع الراهن»، أي الميل إلى تفضيل بقاء الأمور على حالها بدلًا من تغييرها.
حيث عُرض على المشاركين خيارات بين الحفاظ على الوضع الراهن وتبني خيار جديد.
وأظهرت النتائج باستمرار تفضيلًا قويًا للوضع الراهن، حتى عندما كان البديل يُقدم مزايا واضحة.
لكن مقاومتنا للتغيير ليست نتاجًا لعوامل نفسية فحسب؛ بل لها أيضًا أساس عصبي، فقد حدد علماء الأعصاب دور اللوزة الدماغية، وهي بنية صغيرة على شكل لوز في الدماغ مسؤولة عن معالجة المشاعر، وخاصة الخوف والقلق، إذ إنه عند مواجهة التغيير، تنشط اللوزة الدماغية، لتحمينا من التهديدات المحتملة عند التغيير وكذلك قشرة الجبهية الأمامية، وهي منطقة مرتبطة باتخاذ القرار والتحكم المعرفي.
والسؤال المهم: كيف نستطيع أن نخرج من هذه الدائرة؟
من تجربتي، عندما تخلصت من استعمال مضاد الاكتئاب بعد فقد زوجي، يرحمه الله، بفضل الله ثم بالتنفس العميق كانت البداية أن أكتب النية..
نعم، كتابة النية عملية مهمة والإجابة على السؤال لماذا أريد هذا التغيير؟
مهمة جداً..
لماذا أريد أن أمارس الرياضة؟
لماذا أريد أن أشترك في دورة تطويرية أو مهنية؟
وكانت تجربتي لماذا أريد أن أمارس التنفس يومياً؟
بعد كتابة الإجابات نبدأ بتنفيذ خطوة بسيطة وسريعة تكسر إصرار الجسد الساكن في منطقة الراحة، ويمكن إدخال شخص داعم في الخطة (صديق، مدرب، كوتش) يساعد على الاستمرار.
التغيير لا يبدأ بالحماس فقط، بل بالاستمرار رغم انطفاء الحماس.
المهم ليس أن نبدأ بعنف، بل أن نُكمل بلُطف.
** **
المصادر
-Caliste, R. V. (2024, April 19). Why we are resistant to change. Medium. https://medium.com/change-becomes-you/why-we-are-resistant-to-change-489a6f06d234