فهد بن علي العنزي
كيف تلخِّص ثلاث كلمات رؤية قائد وتحسم مشروع مطار؟
أحيانًا، لا تحتاج القيادة العظيمة إلى كثيرٍ من الكلمات، بل إلى توقيت، ورؤية، وثقة.
في رسالة «واتساب» عابرة، أرسل الأمير تركي بن طلال أمير منطقة عسير تصميمًا هندسيًّا لمطار أبها الجديد إلى سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، من تصميم أحد أشهر المعماريين في العالم، نورمان فوستر.
لم يكُن في الرسالة تقرير، ولا عرض تقديمي، ولا حتى تمهيد طويل.. كانت لقطة قياديَّة نادرة، يرسل فيها أحد أمراء المناطق تصميمًا لرؤية عمرانيَّة جديدة، ويطلب رأي القائد.
فكان ردُّ ولي العهد مختصَرًا، لكنه عميق في دلالاته:
«مطار يليق بأبها».
فأجابه الأمير تركي بثقة واختصار:
«نعتمده طال عمرك؟».
ليختتمها القائد بكلمة واحدة فقط:
«مناسب».
هذه ليست مجرد محادثة، بل درس متكامل في القيادة، ففي بيئات تقليديَّة، قد تُعرض مثل هذه التصاميم في اجتماعات مطوَّلة، تُحال إلى اللجان، ويُعاد نقاشها مرارًا.. أما في مدرسة محمد بن سلمان، فحين تكتمل الرؤية وتتوافر الثقة، فالحسم هو عنوان المرحلة.
كلمة «مناسب» ليست مجاملة، ولا ردًّا شكليًّا، بل قرار صريح نابع من رؤية، كلمة مدروسة من رجلٍ يرى الصورة كاملة، ويثق بفريقه، ويمنح الضوء الأخضر حين يكتمل المسار.
يقول القائد: «مطار يليق بأبها»؛ فهو لا يوافق على التصميم فقط، بل يربط المشروع بهُويَّة المكان، وتاريخ أهله المجيد، وبجماله الذي يجب أن يُترجَم معماريًّا.
في لحظةٍ واحدةٍ وعبارةٍ واحدة، تجلَّت مدرسة قياديَّة جديدة، تجعل من كل مشروع قصَّة ثقة، ومن كل خطوة، بداية لمستقبل أجمل.
في هذه المدرسة.. لا يُراهَن على كثرة الاجتماعات، بل على صواب القرار.
لا تتراكم الوثائق، بل تُصنع الإنجازات.
لم يكُن الأمرُ مجردَ حديث عن تصميم، بل تجسيد لصورة جديدة تُرسم لقيادة عربيَّة في زمنِ التحوُّلات.
هذا النمط من الحسم والتمكين هو ما تحتاج إليه الدول الطامحة؛ فالوطن لا ينتظر، والطموح لا يؤجَّل، والرؤية لا تحتاج إلى مجاملة، بل إلى مَن ينهض بها.
في المملكة الجديدة، التنمية ليست خرسانة وحديدًا، بل ذوق وهُويَّة، وتاريخ ومكان.
وما بين مطار أبها وتصميمه، نكتشف كيف تُبنَى الدول العظيمة، لا بالخرائط فقط، بل بثقة القرار، وحسم القائد، وسموِّ الرؤية.