ناصر زيدان التميمي
لله در أبو تمام حين قال:
«يعيش المرء ما استحيا بخيرٍ
ويبقى العود ما بقي اللحاء»
بيتٌ بليغٌ تختصر فيه الحكمة، وتُسكب فيه التجربة، وكأن الشاعر أودع فيه خلاصة ما رآه في الناس وعرفه من الحياة.
الحياءُ ليس مجرد شعورٍ عابر، ولا تصرّفًا لحظيًّا. إنه روحٌ تسكن الإنسان، تحفظه من أن يتدنى، وتدفعه لأن يسمو. ما دام المرء يستحي، فهو بخير؛ حيّ بقلبه، حيّ بضميره، حيّ بأخلاقه. وإذا ما مات الحياء، لم يبقَ للخير موضع، ولا للفضيلة سبيل.
تأمل الشبه العميق في البيت: كما أن العود - أي ساق الشجرة - لا يبقى رطبًا نديًّا إلا ما دام عليه لحاؤه، فإن الإنسان لا يبقى كريمًا فاضلًا إلا ما دام حياؤه يكسوه. إذا تساقط اللحاء، تيبّس العود، وصار هشيمًا تذروه الرياح، وإن بدا للعين أنه لا يزال واقفًا. وهكذا الإنسان، قد يبدو حيًّا يمشي بين الناس، لكن إذا فُقد الحياء، فَقَد الحياة الحقيقية.
ولم يكن هذا المعنى بعيدًا عن هدي النبوة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحياء لا يأتي إلا بخير»، وفي ذلك تأكيد على أن الحياء ليس ضعفًا كما يصوره البعض، بل هو علامة قوة النفس، وصفاء الفطرة، وكمال الإيمان.
الحياء من الله يورث المراقبة، والحياء من الناس يورث حسن السيرة، والحياء من النفس يورث عزةً لا تنكسر، وكأن الإنسان حين يستحي، يضع بينه وبين الخطأ حاجزًا من نور. ومن عاش وفي قلبه هذا النور، فقد عاش بخير، ومات على طُهر، وبقي ذكره عطرًا في الناس.
وهكذا، كما تبقى الشجرة طالما غُلفت بلحائها، يبقى الإنسان ما دام مكسوًا بالحياء. فإن زال، انكشف، وتعرّى، وذوى، وإن ظل ظاهرًا للناس.